Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 76-82)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ } إلى آخر القصة . يخبر تعالى عن حالة قارون وما [ فعل ] وفُعِلَ به ونُصِحَ ووُعِظَ ، فقال : { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ } أي : من بني إسرائيل ، الذين فُضِّلوا على العالمين ، وفاقوهم في زمانهم ، وامتن اللّه عليهم بما امتنَّ به ، فكانت حالهم مناسبة للاستقامة ، ولكن قارون هذا ، بغى على قومه وطغى ، بما أوتيه من الأموال العظيمة المطغية . { وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ } أي : كنوز الأموال شيئاً كثيراً ، { مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ [ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ } والعصبة ] من العشرة إلى التسعة إلى السبعة ، ونحو ذلك . أي : حتى أن مفاتح خزائن أمواله لتثقل الجماعة القوية عن حملها ، هذه المفاتيح ، فما ظنك بالخزائن ؟ { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ } ناصحين له محذرين له عن الطغيان : { لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } أي : لا تفرح بهذه الدنيا العظيمة ، وتفتخر بها ، وتلهيك عن الآخرة ، فإن اللّه لا يحب الفرحين بها ، المكبين على محبتها . { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ } أي : قد حصل عندك من وسائل الآخرة ما ليس عند غيرك من الأموال ، فابتغ بها ما عند اللّه ، وتصدق ولا تقتصر على مجرد نيل الشهوات ، وتحصيل اللذات ، { وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا } أي : لا نأمرك أن تتصدق بجميع مالك وتبقى ضائعاً ، بل أنفق لآخرتك ، واستمتع بدنياك استمتاعاً لا يثلم دينك ، ولا يضر بآخرتك ، { وَأَحْسِن } إلى عباد اللّه { كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ } بهذه الأموال ، { وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ } بالتكبر والعمل بمعاصي اللّه والاشتغال بالنِعَم عن المنعم ، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } بل يعاقبهم على ذلك أشد العقوبة . فـ { قَالَ } قارون - راداً لنصيحتهم ، كافراً بنعمة ربه - : { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } . أي : إنما أدركت هذه الأموال بكسبي ومعرفتي بوجوه المكاسب ، وحذقي ، أو على علم من اللّه بحالي ، يعلم أني أهل لذلك ، فلم تنصحوني على ما أعطاني اللّه تعالى ؟ قال تعالى مبيناً أن عطاءه ، ليس دليلاً على حسن حالة المعطي : { أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً } فما المانع من إهلاك قارون ، مع مُضِيِّ عادتنا وسنتنا بإهلاك مَنْ هو مثله وأعظم ، إذ فعل ما يوجب الهلاك ؟ . { وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } بل يعاقبهم اللّه ، ويعذبهم على ما يعلمه منهم ، فهم ، وإن أثبتوا لأنفسهم حالة حسنة ، وشهدوا لها بالنجاة ، فليس قولهم مقبولاً ، وليس ذلك دافعاً عنهم من العذاب شيئاً ، لأن ذنوبهم غير خفية ، فإنكارهم لا محل له ، فلم يزل قارون مستمراً على عناده وبغيه ، وعدم قبول نصيحة قومه ، فرحاً بطراً قد أعجبته نفسه ، وغره ما أُوتيه من الأموال ، { فَخَرَجَ } ذات يوم { فِي زِينَتِهِ } أي : بحالة أرفع ما يكون من أحوال دنياه ، قد كان له من الأموال ما كان ، وقد استعد وتجمل بأعظم ما يمكنه ، وتلك الزينة في العادة من مثله تكون هائلة ، جمعت زينة الدنيا وزهرتها وبهجتها وغضارتها وفخرها ، فرمقته في تلك الحالة العيون ، وملأت بِزَّتُهُ القلوب ، واختلبت زينته النفوس ، فانقسم فيه الناظرون قسمين ، كل تكلّم بحسب ما عنده من الهمة والرغبة . فـ { قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } أي : الذين تعلقت إرادتهم فيها ، وصارت منتهى رغبتهم ، ليس لهم إرادة في سواها ، { يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ } من الدنيا ومتاعها وزهرتها { إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } وصدقوا إنه لذو حظ عظيم ، لو كان الأمر منتهياً إلى رغباتهم ، وأنه ليس وراء الدنيا ، دار أخرى ، فإنه قد أُعطي منها ما به غاية التنعم بنعيم الدنيا ، واقتدر بذلك على جميع مطالبه ، فصار هذا الحظ العظيم ، بحسب همتهم ، وإن همة جعلت هذا غاية مرادها ومنتهى مطلبها ، لَمِنْ أدنى الهمم وأسفلها وأدناها ، وليس لها أدنى صعود إلى المرادات العالية والمطالب الغالية . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } الذين عرفوا حقائق الأشياء ، ونظروا إلى باطن الدنيا ، حين نظر أولئك إلى ظاهرها : { وَيْلَكُمْ } متوجعين مما تمنوا لأنفسهم ، راثين لحالهم ، منكرين لمقالهم : { ثَوَابُ ٱللَّهِ } العاجل ، من لذة العبادة ومحبته ، والإنابة إليه ، والإقبال عليه . والآجل من الجنة وما فيها ، مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين { خَيْرٌ } من هذا الذي تمنيتم ورغبتم فيه ، فهذه حقيقة الأمر ، ولكن ما كل مَنْ يعلم ذلك يؤثر الأعلى على الأدنى ، فما يُلَقَّى ذلك ويوفق له { إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ } الذين حبسوا أنفسهم على طاعة اللّه ، وعن معصيته ، وعلى أقداره المؤلمة ، وصبروا على جواذب الدنيا وشهواتها ، أن تشغلهم عن ربهم ، وأن تحول بينهم وبين ما خلقوا له ، فهؤلاء الذين يؤثرون ثواب اللّه على الدنيا الفانية . فلما انتهت بقارون حالة البغي والفخر ، وازَّيَّنَت الدنيا عنده ، وكثر بها إعجابه ، بغته العذاب { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } جزاء من جنس عمله ، فكما رفع نفسه على عباد اللّه ، أنزله اللّه أسفل سافلين ، هو وما اغتر به ، من داره وأثاثه ، ومتاعه . { فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ } أي : جماعة ، وعصبة ، وخدم ، وجنود { يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ } أي : جاءه العذاب ، فما نصر ولا انتصر . { وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ } أي : الذين يريدون الحياة الدنيا ، الذين قالوا : { يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ } { يَقُولُونَ } متوجعين ومعتبرين ، وخائفين من وقوع العذاب بهم : { وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ } أي : يضيق الرزق على مَنْ يشاء ، فعلمنا حينئذ أن بسطه لقارون ، ليس دليلاً على خير فيه ، وأننا غالطون في قولنا : { إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } و { لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } فلم يعاقبنا على ما قلنا ، فلولا فضله ومنته { لَخَسَفَ بِنَا } فصار هلاك قارون عقوبة له ، وعبرة وموعظة لغيره ، حتى إن الذين غبطوه ، سمعت كيف ندموا ، وتغير فكرهم الأول . { وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } أي : لا في الدنيا ولا في الآخرة .