Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 85-88)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ } أي : أنزله ، وفرض فيه الأحكام ، وبيّن فيه الحلال والحرام ، وأمرك بتبليغه للعالمين ، والدعوة لأحكام جميع المكلفين ، لا يليق بحكمته أن تكون الحياة هي الحياة الدنيا فقط ، من غير أن يثاب العباد ويعاقبوا ، بل لا بد أن يردك إلى معاد ، يجازى فيه المحسنون بإحسانهم ، والمسيئون بمعصيتهم . وقد بيّنت لهم الهدى ، وأوضحت لهم المنهج ، فإن تبعوك ، فذلك حظهم وسعادتهم ، وإن أبوا إلا عصيانك والقدح بما جئت به من الهدى ، وتفضيل ما معهم من الباطل على الحق ، فلم يبق للمجادلة محل ، ولم يبق إلا المجازاة على الأعمال من العالم بالغيب والشهادة ، والمحق والمبطل . ولهذا قال : { قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } وقد علم أن رسوله هو المهتدي الهادي ، وأن أعداءه هم الضالون المضلون . { وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ } أي : لم تكن متحرياً لنزول هذا الكتاب عليك ، ولا مستعداً له ، ولا متصدياً . { إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } بك وبالعباد ، فأرسلك بهذا الكتاب ، الذي رحم به العالمين ، وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ، وزكاهم وعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ، فإذا علمت أنه أنزل إليك رحمة منه ، [ علمت ] أن جميع ما أمر به ونهى عنه ، فإنه رحمة وفضل من اللّه ، فلا يكن في صدرك حرج من شيء منه ، وتظن أن مخالفه أصلح وأنفع . { فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ } أي : معيناً لهم على ما هو من شعب كفرهم ، ومن جملة مظاهرتهم ، أن يقال في شيء منه ، إنه خلاف الحكمة والمصلحة والمنفعة . { وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ ٱللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ } بل أبلغها وأنفذها ، ولا تبال بمكرهم ولا يخدعنك عنها ، ولا تتبع أهواءهم . { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ } أي : اجعل الدعوة إلى ربك منتهى قصدك وغاية عملك ، فكل ما خالف ذلك فارفضه ، من رياء ، أو سمعة ، أو موافقة أغراض أهل الباطل ، فإن ذلك داع إلى الكون معهم ، ومساعدتهم على أمرهم ، ولهذا قال : { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } لا في شركهم ، ولا في فروعه وشعبه ، التي هي جميع المعاصي . { وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } بل أخلص للّه عبادتك ، فإنه { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } فلا أحد يستحق أن يؤله ويحب ويعبد ، إلا اللّه الكامل الباقي الذي { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } وإذا كان كل شيء هالكاً مضمحلاً ، سواه ، فعبادة الهالك الباطل باطلة ببطلان غايتها ، وفساد نهايتها . { لَهُ ٱلْحُكْمُ } في الدنيا والآخرة { وَإِلَيْهِ } لا إلى غيره { تُرْجَعُونَ } فإذا كان ما سوى اللّه باطلاً هالكاً ، واللّه هو الباقي ، الذي لا إله إلا هو ، وله الحكم في الدنيا والآخرة ، وإليه مرجع الخلائق كلهم ، ليجازيهم بأعمالهم ، تعيَّن على مَنْ له عقل ، أن يعبد اللّه وحده لا شريك له ، ويعمل لما يقربه ويدنيه ، ويحذر من سخطه وعقابه ، وأن يقدم على ربه غير تائب ، ولا مقلع عن خطئه وذنوبه .