Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 102-103)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا أمر من الله لعباده المؤمنين أن يتقوه حق تقواه ، وأن يستمروا على ذلك ويثبتوا عليه ويستقيموا إلى الممات ، فإن من عاش على شيء مات عليه ، فمن كان في حال صحته ونشاطه وإمكانه مداوماً لتقوى ربه وطاعته ، منيباً إليه على الدوام ، ثبته الله عند موته ورزقه حسن الخاتمة ، وتقوى الله حق تقواه كما قال ابن مسعود : وهو أن يُطاع فلا يُعصى ، ويُذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر ، وهذه الآية بيان لما يستحقه تعالى من التقوى ، وأما ما يجب على العبد منها ، فكما قال تعالى : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ] وتفاصيل التقوى المتعلقة بالقلب والجوارح كثيرة جداً ، يجمعها فعل ما أمر الله به وترك كل ما نهى الله عنه ، ثم أمرهم تعالى بما يعينهم على التقوى وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله ، وكون دعوى المؤمنين واحدة مؤتلفين غير مختلفين ، فإن في اجتماع المسلمين على دينهم ، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور ، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها ، من التعاون على البر والتقوى ، كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه ، ولو أدى إلى الضرر العام ، ثم ذكرهم تعالى نعمته وأمرهم بذكرها فقال : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً } يقتل بعضكم بعضاً ، ويأخذ بعضكم مال بعض ، حتى إن القبيلة يعادي بعضهم بعضا ، وأهل البلد الواحد يقع بينهم التعادي والاقتتال ، وكانوا في شر عظيم ، وهذه حالة العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعثه الله وآمنوا به واجتمعوا على الإسلام وتآلفت قلوبهم على الإيمان كانوا كالشخص الواحد ، من تآلف قلوبهم وموالاة بعضهم لبعض ، ولهذا قال : { فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ } أي : قد استحقيتم النار ولم يبق بينكم وبينها إلا أن تموتوا فتدخلوها { فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا } بما مَنَّ عليكم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم { كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ } أي : يوضحها ويفسرها ، ويبين لكم الحق من الباطل ، والهدى من الضلال { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } بمعرفة الحق والعمل به ، وفي هذه الآية ما يدل أن الله يحب من عباده أن يذكروا نعمته بقلوبهم وألسنتهم ليزدادوا شكراً له ومحبة ، وليزيدهم من فضله وإحسانه ، وإن من أعظم ما يذكر من نعمه نعمة الهداية إلى الإسلام ، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واجتماع كلمة المسلمين وعدم تفرقها .