Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 121-122)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآيات نزلت في وقعة " أُحد " وقصتها مشهورة في السير والتواريخ ، ولعل الحكمة في ذكرها في هذا الموضع ، وأدخل في أثنائها وقعة " بدر " لما أن الله تعالى قد وعد المؤمنين أنهم إذا صبروا واتقوا نصرهم ، ورد كيد الأعداء عنهم ، وكان هذا حكماً عاماً ووعداً صادقاً لا يتخلف مع الإتيان بشرطه ، فذكر نموذجاً من هذا في هاتين القصتين ، وأن الله نصر المؤمنين في " بدر " لما صبروا واتقوا ، وأدال عليهم العدو لما صدر من بعضهم من الإخلال بالتقوى ما صدر ، ومن حكمة الجمع بين القصتين أن الله يحب من عباده إذا أصابهم ما يكرهون أن يتذكروا ما يحبون ، فيخف عنهم البلاء ويشكروا الله على نعمه العظيمة التي إذا قوبلت بما ينالهم من المكروه الذي هو في الحقيقة خير لهم ، كان المكروه بالنسبة إلى المحبوب نزراً يسيراً ، وقد أشار تعالى إلى هذه الحكمة في قوله { أَوَلَمَّآ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا } [ آل عمران : 165 ] وحاصل قضية " أحد " وإجمالها أن المشركين لما رجع فُلهم من " بدر " إلى مكة ، وذلك في سنة اثنتين من الهجرة ، استعدوا بكل ما يقدرون عليه من العدد بالأموال والرجال والعدد ، حتى اجتمع عندهم من ذلك ما جزموا بحصول غرضهم وشفاء غيظهم ، ثم وجهوا من مكة للمدينة في ثلاثة آلاف مقاتل ، حتى نزلوا قرب المدينة ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم هو وأصحابه بعد المراجعة والمشاورة حتى استقر رأيهم على الخروج ، وخرج في ألف ، فلما ساروا قليلاً رجع عبد الله بن أبي المنافق بثلث الجيش ممن هو على مثل طريقته ، وهمت طائفتان من المؤمنين أن يرجعوا وهم بنو سلمة وبنو حارثة فثبتهم الله ، فلما وصلوا إلى أحد رتبهم النبي صلى الله عليه وسلم في مواضعهم وأسندوا ظهورهم إلى أحد ، ورتب النبي صلى الله عليه وسلم خمسين رجلاً من أصحابه في خلة في جبل " أحد " وأمرهم أن يلزموا مكانهم ولا يبرحوا منه ليأمنوا أن يأتيهم أحد من ظهورهم ، فلما التقى المسلمون والمشركون انهزم المشركون هزيمة قبيحة وخلفوا معسكرهم خلف ظهورهم ، واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون ، فلما رآهم الرماة الذين جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم في الجبل ، قال بعضهم لبعض : الغنيمة الغنيمة ، ما يقعدنا هاهنا والمشركون قد انهزموا ، ووعظهم أميرهم عبد الله بن جبير عن المعصية فلم يلتفتوا إليه ، فلما أخلوا موضعهم فلم يبق فيه إلا نفر يسير ، منهم أميرهم عبد الله بن جبير ، جاءت خيل المشركين من ذلك الموضع واستدبرت المسلمين وقاتلت ساقتهم ، فجال المسلمون جولة ابتلاهم الله بها وكفر بها عنهم ، وأذاقهم فيها عقوبة المخالفة ، فحصل ما حصل من قتل من قُتِلَ منهم ، ثم إنهم انحازوا إلى رأس جبل " أحد " وكفّ الله عنهم أيدي المشركين وانكفأوا إلى بلادهم ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة قال الله تعالى { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ } والغدو هاهنا مطلق الخروج ، ليس المراد به الخروج في أول النهار ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يخرجوا إلا بعدما صلوا الجمعة { تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } أي : تنزلهم وترتبهم كل في مقعده اللائق به ، وفيها أعظم مدح للنبي صلى الله عليه وسلم حيث هو الذي يباشر تدبيرهم وإقامتهم في مقاعد القتال ، وما ذاك إلا لكمال علمه ورأيه ، وسداد نظره وعلو همته ، حيث يباشر هذه الأمور بنفسه وشجاعته الكاملة صلوات الله وسلامه عليه { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } لجميع المسموعات ، ومنه أنه يسمع ما يقول المؤمنون والمنافقون كل يتكلم بحسب ما في قلبه { عَلِيمٌ } بنيات العبيد ، فيجازيهم عليها أتم الجزاء ، وأيضاً فالله سميع عليم بكم ، يكلؤكم ، ويتولى تدبير أموركم ، ويؤيدكم بنصره كما قال تعالى لموسى وهارون { قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } [ طه : 46 ] ومن لطفه بهم وإحسانه إليهم أنه ، لما { هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ } من المؤمنين بالفشل وهم بنو سلمة وبنو حارثة كما تقدم ثبتهما الله تعالى نعمة عليهما وعلى سائر المؤمنين ، فلهذا قال { وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا } أي : بولايته الخاصة ، التي هي لطفه بأوليائه ، وتوفيقهم لما فيه صلاحهم وعصمتهم عما فيه مضرتهم ، فمن توليه لهما أنهما لما هما بهذه المعصية العظيمة وهي الفشل والفرار عن رسول الله عصمهما ، لما معهما من الإيمان كما قال تعالى : { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [ البقرة : 257 ] ثم قال { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } ففيها الأمر بالتوكل الذي هو اعتماد القلب على الله في جلب المنافع ودفع المضار ، مع الثقة بالله ، وأنه بحسب إيمان العبد يكون توكله ، وأن المؤمنين أولى بالتوكل على الله من غيرهم ، وخصوصاً في مواطن الشدة والقتال ، فإنهم مضطرون إلى التوكل والاستعانة بربهم والاستنصار له ، والتبري من حولهم وقوتهم ، والاعتماد على حول الله وقوته ، فبذلك ينصرهم ويدفع عنهم البلايا والمحن ، ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ … } .