Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 190-194)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } وفي ضمن ذلك حث العباد على التفكر فيها ، والتبصر بآياتها ، وتدبر خلقها ، وأبهم قوله : { آيَاتٍ } ولم يقل : " على المطلب الفلاني " إشارة لكثرتها وعمومها ، وذلك لأن فيها من الآيات العجيبة ما يبهر الناظرين ، ويقنع المتفكرين ، ويجذب أفئدة الصادقين ، وينبه العقول النيرة على جميع المطالب الإلهية ، فأما تفصيل ما اشتملت عليه ، فلا يمكن لمخلوق أن يحصره ، ويحيط ببعضه ، وفي الجملة فما فيها من العظمة والسعة ، وانتظام السير والحركة ، يدل على عظمة خالقها ، وعظمة سلطانه وشمول قدرته . وما فيها من الإحكام والإتقان ، وبديع الصنع ، ولطائف الفعل ، يدل على حكمة الله ووضعه الأشياء مواضعها ، وسعة علمه . وما فيها من المنافع للخلق ، يدل على سعة رحمة الله ، وعموم فضله ، وشمول بره ، ووجوب شكره . وكل ذلك يدل على تعلق القلب بخالقها ومبدعها ، وبذل الجهد في مرضاته ، وأن لا يشرك به سواه ، ممن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء . وخص الله بالآيات أولي الألباب ، وهم أهل العقول لأنهم هم المنتفعون بها ، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهم . ثم وصف أولي الألباب بأنهم { يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ } في جميع أحوالهم : { قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } وهذا يشمل جميع أنواع الذكر بالقول والقلب ، ويدخل في ذلك الصلاة قائماً ، فإن لم يستطع فقاعداً ، فإن لم يستطع فعلى جنب ، وأنهم { وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : ليستدلوا بها على المقصود منها ، ودل هذا على أن التفكر عبادة من صفات أولياء الله العارفين ، فإذا تفكروا بها ، عرفوا أن الله لم يخلقها عبثا ، فيقولون : { رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ } عن كل ما لا يليق بجلالك ، بل خلقتها بالحق وللحق ، مشتملة على الحق . { فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } بأن تعصمنا من السيئات ، وتوفقنا للأعمال الصالحات ، لننال بذلك النجاة من النار . ويتضمن ذلك سؤال الجنة ، لأنهم إذا وقاهم الله عذاب النار حصلت لهم الجنة ، ولكن لما قام الخوف بقلوبهم ، دعوا الله بأهم الأمور عندهم ، { رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } أي : لحصوله على السخط من الله ، ومن ملائكته ، وأوليائه ، ووقوع الفضيحة التي لا نجاة منها ، ولا منقذ منها ، ولهذا قال : { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } ينقذونهم من عذابه ، وفيه دلالة على أنهم دخلوها بظلمهم . { رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ } وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، أي : يدعو الناس إليه ، ويرغبهم فيه ، في أصوله وفروعه . { فَآمَنَّا } أي : أجبناه مبادرة ، وسارعنا إليه ، وفي هذا إخبار منهم بمنة الله عليهم ، وتبجح بنعمته ، وتوسل إليه بذلك ، أن يغفر ذنوبهم ويكفر سيئاتهم ، لأن الحسنات يذهبن السيئات ، والذي منَّ عليهم بالإيمان ، سيمن عليهم بالأمان التام . { وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ } يتضمن هذا الدعاء التوفيق لفعل الخير ، وترك الشر ، الذي به يكون العبد من الأبرار ، والاستمرار عليه ، والثبات إلى الممات . ولما ذكروا توفيق الله إياهم للإيمان ، وتوسلهم به إلى تمام النعمة ، سألوه الثواب على ذلك ، وأن ينجز لهم ما وعدهم به على ألسنة رسله من النصر ، والظهور في الدنيا ، ومن الفوز برضوان الله وجنته في الآخرة ، فإنه تعالى لا يخلف الميعاد ، فأجاب الله دعاءهم ، وقبل تضرعهم ، فلهذا قال : { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ … } .