Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 7-9)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القرآن العظيم كله محكم كما قال تعالى { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [ هود : 1 ] فهو مشتمل على غاية الإتقان والإحكام والعدل والإحسان { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [ المائدة : 50 ] وكله متشابه في الحسن والبلاغة وتصديق بعضه لبعضه ومطابقته لفظاً ومعنى ، وأما الإحكام والتشابه المذكور في هذه الآية فإن القرآن كما ذكره الله { مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ } أي : واضحات الدلالة ، ليس فيها شبهة ولا إشكال { هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } أي : أصله الذي يرجع إليه كل متشابه ، وهي معظمه وأكثره ، { وَ } منه آيات { أُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } أي : يلتبس معناها على كثير من الأذهان : لكون دلالتها مجملة ، أو يتبادر إلى بعض الأفهام غير المراد منها ، فالحاصل أن منها آيات بينة واضحة لكل أحد ، وهي الأكثر التي يرجع إليها ، ومنه آيات تشكل على بعض الناس ، فالواجب في هذا أن يرد المتشابه إلى المحكم والخفي إلى الجلي ، فبهذه الطريق يصدق بعضه بعضاً ولا يحصل فيه مناقضة ولا معارضة ، ولكن الناس انقسموا إلى فرقتين { فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } أي : ميل عن الاستقامة بأن فسدت مقاصدهم ، وصار قصدهم الغي والضلال وانحرفت قلوبهم عن طريق الهدى والرشاد { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } أي : يتركون المحكم الواضح ويذهبون إلى المتشابه ، ويعكسون الأمر فيحملون المحكم على المتشابه { ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ } لمن يدعونهم لقولهم ، فإن المتشابه تحصل به الفتنة بسبب الاشتباه الواقع فيه ، وإلا فالمحكم الصريح ليس محلاً للفتنة ، لوضوح الحق فيه لمن قصده اتباعه ، وقوله { وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } للمفسرين في الوقوف على " الله " من قوله { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } قولان ، جمهورهم يقفون عندها ، وبعضهم يعطف عليها { وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } وذلك كله محتمل ، فإن التأويل إن أريد به علم حقيقة الشيء وكنهه كان الصواب الوقوف على { إِلاَّ ٱللَّهُ } لأن المتشابه الذي استأثر الله بعلم كنهه وحقيقته ، نحو حقائق صفات الله وكيفيتها ، وحقائق أوصاف ما يكون في اليوم الآخر ونحو ذلك ، فهذه لا يعلمها إلا الله ، ولا يجوز التعرض للوقوف عليها ، لأنه تعرض لما لا يمكن معرفته ، كما سئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ [ ٱسْتَوَىٰ ] } [ طه : 5 ] فقال السائل : كيف استوى ؟ فقال مالك : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، فهكذا يقال في سائر الصفات لمن سأل عن كيفيتها أن يقال كما قال الإمام مالك ، تلك الصفة معلومة ، وكيفيتها مجهولة ، والإيمان بها واجب ، والسؤال عنها بدعة ، وقد أخبرنا الله بها ولم يخبرنا بكيفيتها ، فيجب علينا الوقوف على ما حد لنا ، فأهل الزيغ يتبعون هذه الأمور المشتبهات تعرضاً لما لا يعني ، وتكلفاً لما لا سبيل لهم إلى علمه ، لأنه لا يعلمها إلا الله ، وأما الراسخون في العلم فيؤمنون بها ويكلون المعنى إلى الله فيسلمون ويسلمون ، وإن أريد بالتأويل التفسير والكشف والإيضاح ، كان الصواب عطف { وَٱلرَّاسِخُونَ } على " الله " فيكون الله قد أخبر أن تفسير المتشابه ورده إلى المحكم وإزالة ما فيه من الشبهة لا يعلمها إلا هو تعالى والراسخون في العلم يعلمون أيضاً ، فيؤمنون بها ويردونها للمحكم ويقولون { كُلٌّ } من المحكم والمتشابه { مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } وما كان من عنده فليس فيه تعارض ولا تناقض بل هو متفق يصدق بعضه بعضاً ويشهد بعضه لبعض : وفيه تنبيه على الأصل الكبير ، وهو أنَّهم إذا علموا أن جميعه من عند الله ، وأشكل عليهم مجمل المتشابه ، علموا يقيناً أنه مردودٌ إلى المحكم ، وإن لم يفهموا وجه ذلك . ولما رغب تعالى في التسليم والإيمان بأحكامه وزجر عن اتباع المتشابه قال { وَمَا يَذَّكَّرُ } أي : يتعظ بمواعظ الله ويقبل نصحه وتعليمه إلا { أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } أي : أهل العقول الرزينة لب العالم وخلاصة بني آدم يصل التذكير إلى عقولهم ، فيتذكرون ما ينفعهم فيفعلونه ، وما يضرهم فيتركونه ، وأما من عداهم فهم القشور الذي لا حاصل له ولا نتيجة تحته ، لا ينفعهم الزجر والتذكير لخلوهم من العقول النافعة . ثم أخبر تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يدعون ويقولون { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } أي : لا تملها عن الحق جهلاً وعناداً منا ، بل اجعلنا مستقيمين هادين مهتدين ، فثبتنا على هدايتك وعافنا مما ابتليت به الزائغين { وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً } أي : عظيمة توفقنا بها للخيرات وتعصمنا بها من المنكرات { إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } أي : واسع العطايا والهبات ، كثير الإحسان الذي عم جودك جميع البريات . { رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } فمجازيهم بأعمالهم حسنها وسيئها ، وقد أثنى الله تعالى على الراسخين في العلم بسبع صفات هي عنوان سعادة العبد : إحداها : العلم الذي هو الطريق الموصل إلى الله ، المبين لأحكامه وشرائعه ، الثانية : الرسوخ في العلم وهذا قدر زائد على مجرد العلم ، فإن الراسخ في العلم يقتضي أن يكون عالماً محققاً ، وعارفاً مدققاً ، قد علمه الله ظاهر العلم وباطنه ، فرسخ قدمه في أسرار الشريعة علماً وحالاً وعملاً الثالثة : أنه وصفهم بالإيمان بجميع كتابه وردٌ لمتشابهه إلى محكمه ، بقوله { يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } الرابعة : أنهم سألوا الله العفو والعافية مما ابتلي به الزائغون المنحرفون ، الخامسة : اعترافهم بمنة الله عليهم بالهداية وذلك قوله { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } السادسة : أنهم مع هذا سألوه رحمته المتضمنة حصول كل خير واندفاع كل شر ، وتوسلوا إليه باسمه الوهاب ، السابعة : أنه أخبر عن إيمانهم وإيقانهم بيوم القيامة وخوفهم منه ، وهذا هو الموجب للعمل الرادع عن الزلل ، ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُولَـٰئِكَ هُمْ … } .