Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 32-33)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ } خطاب لهن كلهن { لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ } اللّه ، فإنكن بذلك تفقن النساء ، ولا يلحقكن أحد من النساء ، فكملن التقوى بجميع وسائلها ومقاصدها . فلهذا أرشدهن إلى قطع وسائل المحرم ، فقال : { فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ } أي : في مخاطبة الرجال ، أو بحيث يسمعون فتَلِنَّ في ذلك ، وتتكلمن بكلام رقيق يدعو ويطمع { ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } أي : مرض شهوة الزنا ، فإنه مستعد ، ينظر أدنى محرك يحركه ، لأن قلبه غير صحيح ، [ فإن القلب الصحيح ] ، ليس فيه شهوة لما حرم اللّه ، فإن ذلك لا تكاد تُمِيلُه ولا تحركه الأسباب ، لصحة قلبه وسلامته من المرض . بخلاف مريض القلب ، الذي لا يتحمل ما يتحمل الصحيح ، ولا يصبر على ما يصبر عليه ، فأدنى سبب يوجد ، يدعوه إلى الحرام ، يجيب دعوته ، ولا يتعاصى عليه ، فهذا دليل على أن الوسائل لها أحكام المقاصد . فإن الخضوع بالقول واللين فيه ، في الأصل مباح ، ولكن لما كان وسيلة إلى المحرم ، منع منه ، ولهذا ينبغي للمرأة في مخاطبة الرجال ، أن لا تلِين لهم القول . ولما نهاهن عن الخضوع في القول ، فربما توهم أنهن مأمورات بإغلاظ القول ، دفع هذا بقوله : { وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } أي : غير غليظ ولا جاف ، كما أنه ليس بِلَيِّنٍ خاضع . وتأمل كيف قال : { فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ } ولم يقل : " فلا تلِنَّ بالقول " وذلك لأن المنهي عنه القول اللين ، الذي فيه خضوع المرأة للرجل ، وانكسارها عنده ، والخاضع هو الذي يطمع فيه ، بخلاف من تكلم كلاماً ليناً ليس فيه خضوع ، بل ربما صار فيه ترفع وقهر للخصم ، فإن هذا لا يطمع فيه خصمه ، ولهذا مدح اللّه رسوله باللين ، فقال : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } [ آل عمران : 159 ] وقال لموسى وهارون : { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [ طه : 43 - 44 ] . ودلَّ قوله : { فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } مع أمره بحفظ الفرج وثنائه على الحافظين لفروجهم والحافظات ، ونهيه عن قربان الزنا ، أنه ينبغي للعبد إذا رأى من نفسه هذه الحالة ، وأنه يهش لفعل المحرم عندما يرى أو يسمع كلام مَنْ يهواه ، ويجد دواعي طمعه قد انصرفت إلى الحرام ، فَلْيَعْرِفْ أن ذلك مرض . فَلْيَجْتَهِدْ في إضعاف هذا المرض وحسم الخواطر الردية ، ومجاهدة نفسه على سلامتها من هذا المرض الخطر ، وسؤال اللّه العصمة والتوفيق ، وأن ذلك من حفظ الفرج المأمور به . { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } أي : اقررن فيها ، لأنه أسلم وأحفظ لَكُنَّ ، { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ } أي : لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات ، كعادة أهل الجاهلية الأولى ، الذين لا علم عندهم ولا دين ، فكل هذا دفع للشر وأسبابه . ولما أمرهن بالتقوى عموماً ، وبجزئيات من التقوى ، نص عليها [ لحاجة ] النساء إليها ، كذلك أمرهن بالطاعة ، خصوصاً الصلاة والزكاة ، اللتان يحتاجهما ويضطر إليهما كل أحد ، وهما أكبر العبادات ، وأجل الطاعات ، وفي الصلاة الإخلاص للمعبود ، وفي الزكاة الإحسان إلى العبيد . ثم أمرهن بالطاعة عموماً ، فقال : { وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } يدخل في طاعة اللّه ورسوله ، كل أمر أمرا به أمر إيجاب أو استحباب . { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ } بأمركن بما أَمَرَكُنَّ به ، ونهيكن بما نهاكُنَّ عنه ، { لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ } أي : الأذى والشر والخبث ، يا { أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } حتى تكونوا طاهرين مطهرين . أي : فاحمدوا ربكم واشكروه على هذه الأوامر والنواهي ، التي أخبركم بمصلحتها وأنها محض مصلحتكم ، لم يرد اللّه أن يجعل عليكم بذلك حرجاً ولا مشقة ، بل لتتزكى نفوسكم ، ولتتطهر أخلاقكم ، وتحسن أعمالكم ، ويعظم بذلك أجركم . ولما أمرهن بالعمل الذي هو فعل وترك ، أمرهن بالعلم ، وبيَّن لهن طريقه ، فقال : { وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْـمَةِ } والمراد بآيات اللّه ، القرآن . والحكمة ، أسراره . أو سُنّة رسوله . وأمرهن بذكره ، يشمل ذكر لفظه ، بتلاوته ، وذكر معناه ، بتدبره والتفكر فيه ، واستخراج أحكامه وحكمه ، وذكر العمل به وتأويله . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً } يدرك أسرار الأمور ، وخفايا الصدور ، وخبايا السماوات والأرض ، والأعمال التي تبين وتسر . فلطفه وخبرته ، يقتضي حثهن على الإخلاص وإسرار الأعمال ، ومجازاة اللّه على تلك الأعمال . ومن معاني " اللطيف " الذي يسوق عبده إلى الخير ، ويعصمه من الشر ، بطرق خفية لا يشعر بها ، ويسوق إليه من الرزق ما لا يدريه ، ويريه من الأسباب التي تكرهها النفوس ما يكون ذلك طريقاً [ له ] إلى أعلى الدرجات ، وأرفع المنازل .