Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 24-27)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يأمر تعالى نبيه محمداً صلى اللّه عليه وسلم أن يقول لمن أشرك باللّه ويسأله عن حجة شركه : { مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } فإنهم لا بد أن يقروا أنه اللّه ، ولئن لم يقروا فـ { قُلِ ٱللَّهُ } فإنك لا تجد من يدفع هذا القول ، فإذا تبيَّن أن اللّه وحده الذي يرزقكم من السماوات والأرض ، وينزل [ لكم ] المطر ، وينبت لكم النبات ، ويفجر لكم الأنهار ، ويطلع لكم من ثمار الأشجار ، وجعل لكم الحيوانات جميعها ، لنفعكم ورزقكم ، فلم تعبدون معه مَنْ لا يرزقكم شيئاً ، ولا يفيدكم نفعاً ؟ وقوله : { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي : إحدى الطائفتين منا ومنكم ، على الهدى ، مستعلية عليه ، أو في ضلال مبين ، منغمرة فيه ، وهذا الكلام يقوله مَنْ تبيَّن له الحق واتضح له الصواب ، وجزم بالحق الذي هو عليه وبطلان ما عليه خصمه . أي : قد شرحنا من الأدلة الواضحة عندنا وعندكم ، ما به يعلم علماً يقيناً لا شك فيه ، من المحق منّا ومَن المبطل ، ومن المهتدي ومَن الضال ؟ حتى إنه يصير التعيين بعد ذلك لا فائدة فيه ، فإنك إذا وازنت بين مَنْ يدعو إلى عبادة الخالق لسائر المخلوقات ، المتصرف فيها بجميع أنواع التصرفات ، المسدي جميع النِعَمْ ، الذي رزقهم وأوصل إليهم كل نعمة ، ودفع عنهم كل نقمة ، الذي له الحمد كله والملك كله ، وكل أحد من الملائكة فما دونهم خاضعون لهيبته ، متذللون لعظمته ، وكل الشفعاء تخافه ، لا يشفع أحدٌ منهم عنده إلا بإذنه العلي الكبير ، في ذاته وأوصافه وأفعاله ، الذي له كل كمال ، وكل جلال ، وكل جمال ، وكل حمد وثناء ومجد ، يدعو إلى التقرب لمن هذا شأنه ، وإخلاص العمل له ، وينهى عن عبادة مَنْ سواه ، وبين مَنْ يتقرب إلى أوثان وأصنام وقبور ، لا تخلِق ولا ترزق ، ولا تملك لأنفسها ولا لِمنْ عَبَدها ، نفعاً ولا ضراً ، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، بل هي جمادات لا تعقل ولا تسمع دعاء عابديها ، ولو سمعته ما استجابت لهم ، ويوم القيامة يكفرون بشركهم ، ويتبرأون منهم ، ويتلاعنون بينهم ، ليس لهم قسط من الملك ، ولا شركة فيه ، ولا إعانة فيه ، ولا لهم شفاعة يستقلون بها دون اللّه ، فهو يدعو مَنْ هذا وصفه ، ويتقرب إليه مهما أمكنه ، ويعادي مَنْ أخلص الدين للّه ويحاربه ، ويكذب رسل اللّه الذين جاؤوا بالإخلاص للّه وحده ، تبيَّن لك أي الفريقين ، المهتدي من الضال ، والشقي من السعيد ؟ ولم يحتج إلى أن يعين لك ذلك ، لأن وصف الحال أوضح من لسان المقال . { قُل } لهم [ { لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } أي : كل منا ومنكم ، له عمله أنتم ] { لاَّ تُسْأَلُونَ } عن إجرامنا وذنوبنا لو أذنبنا ، ونحن لا نسأل عن أعمالكم ، فليكن المقصود منا ومنكم طلب الحقائق ، وسلوك طريق الإنصاف ، ودعوا ما كنا نعمل ، ولا يكن مانعاً لكم من اتباع الحق ، فإن أحكام الدنيا تجري على الظواهر ، ويتبع فيها الحق ويجتنب الباطل ، وأما الأعمال فلها دار أخرى ، يحكم فيها أحكم الحاكمين ، ويفصل بين المختصمين ، أعدل العادلين . ولهذا قال : { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا } أي : يحكم بيننا حكماً ، يتبين به الصادق من الكاذب ، والمستحق للثواب من المستحق للعقاب ، وهو خير الفاتحين . { قُلْ } لهم يا أيها الرسول ، ومَنْ ناب منابك : { أَرُونِيَ ٱلَّذيِنَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَآءَ } أي : أين هم ؟ وأين السبيل إلى معرفتهم ؟ وهل هم في الأرض ، أم في السماء ؟ فإن عالم الغيب والشهادة قد أخبرنا أنه ليس في الوجود له شريك . { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ } الآية [ يونس : 18 ] { وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [ يونس : 66 ] . وكذلك خواص خلقه من الأنبياء والمرسلين ، لا يعلمون له شريكاً ، فيا أيها المشركون أروني الذين ألحقتم بزعمكم الباطل باللّه { شُرَكَآءَ } . وهذا السؤال لا يمكنهم الإجابة عنه ، ولهذا قال : { كَلاَّ } أي : ليس للّه شريك ، ولا ند ، ولا ضد . { بَلْ هُوَ ٱللَّهُ } الذي لا يستحق التأله والتعبد إلاّ هو { ٱلْعَزِيزُ } الذي قهر كل شيء فكل ما سواه فهو مقهور مسخر مدبر . { ٱلْحْكِيمُ } الذي أتقن ما خلقه ، وأحسن ما شرعه ، ولو لم يكن في حكمته في شرعه إلا أنه أمر بتوحيده ، وإخلاص الدين له ، وأحب ذلك ، وجعله طريقاً للنجاة ، ونهى عن الشرك به واتخاذ الأنداد من دونه ، وجعل ذلك طريقاً للشقاء والهلاك ، لكفى بذلك برهاناً على كمال حكمته ، فكيف ، وجميع ما أمر به ونهى عنه مشتمل على الحكمة ؟ ! !