Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 59-67)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر تعالى جزاء المتقين ، ذكر جزاء المجرمين { وَ } أنهم يقال لهم يوم القيامة { ٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } أي : تميزوا عن المؤمنين ، وكونوا على حدة ، ليوبخهم ويقرعهم على رؤوس الأشهاد قبل أن يدخلهم النار ، فيقول لهم : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ } أي : آمركم وأوصيكم ، على ألسنة رسلي ، [ وأقول لكم : ] { يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ } أي : لا تطيعوه ؟ وهذا التوبيخ ، يدخل فيه التوبيخ عن جميع أنواع الكفر والمعاصي ، لأنها كلها طاعة للشيطان وعبادة له ، { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } فحذرتكم منه غاية التحذير ، وأنذرتكم عن طاعته ، وأخبرتكم بما يدعوكم إليه ، { وَ } أمرتكم { أَنِ ٱعْبُدُونِي } بامتثال أوامري وترك زواجري ، { هَـٰذَا } أي : عبادتي وطاعتي ، ومعصية الشيطان { صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } فعلوم الصراط المستقيم وأعماله ترجع إلى هذين الأمرين ، أي : فلم تحفظوا عهدي ، ولم تعملوا بوصيتي ، فواليتم عدوكم ، فـ { أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً } أي : خلقاً كثيراً . { أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } أي : فلا كان لكم عقل يأمركم بموالاة ربكم ووليكم الحق ، ويزجركم عن اتخاذ أعدى الأعداء لكم ولياً ، فلو كان لكم عقل صحيح لما فعلتم ذلك ، فإذا أطعتم الشيطان ، وعاديتم الرحمن ، وكذبتم بلقائه ، ووردتم القيامة دار الجزاء ، وحق عليكم القول بالعذاب فـ { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } وتكذبون بها ، فانظروا إليها عياناً ، فهناك تنزعج منهم القلوب ، وتزوغ الأبصار ، ويحصل الفزع الأكبر . ثم يكمل ذلك ، بأن يؤمر بهم إلى النار ، ويقال لهم : { ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } أي : ادخلوها على وجه تصلاكم ، ويحيط بكم حرها ، ويبلغ منكم كل مبلغ ، بسبب كفركم بآيات اللّه ، وتكذيبكم لرسل اللّه . قال الله تعالى في بيان وصفهم الفظيع في دار الشقاء : { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ } بأن نجعلهم خرساً فلا يتكلمون ، فلا يقدرون على إنكار ما عملوه من الكفر والتكذيب . { وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي : تشهد عليهم أعضاؤهم بما عملوه ، وينطقها الذي أنطق كل شيء . { وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ } بأن نُذْهِبَ أبصارهم ، كما طمسنا على نطقهم . { فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ } أي : فبادروا إليه ، لأنه الطريق إلى الوصول إلى الجنة ، { فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ } وقد طمست أبصارهم . { وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ } أي : لأذهبنا حركتهم { فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً } إلى الأمام { وَلاَ يَرْجِعُونَ } إلى ورائهم ليبعدوا عن النار . والمعنى : أن هؤلاء الكفار ، حقت عليهم كلمة العذاب ، ولم يكن بُدٌّ من عقابهم . وفي ذلك الموطن ، ما ثَمَّ إلاّ النار قد برزت ، وليس لأحد نجاة إلاّ بالعبور على الصراط ، وهذا لا يستطيعه إلاّ أهل الإيمان ، الذين يمشون في نورهم ، وأما هؤلاء ، فليس لهم عند اللّه عهد في النجاة من النار فإن شاء طمس أعينهم وأبقى حركتهم ، فلم يهتدوا إلى الصراط لو استبقوا إليه وبادروه ، وإن شاء أذهب حراكهم فلم يستطيعوا التقدم ولا التأخر . المقصود : أنهم لا يعبرونه ، فلا تحصل لهم النجاة .