Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 77-83)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآيات الكريمات ، فيها [ ذكر ] شبهة منكري البعث ، والجواب عنها بأتم جواب وأحسنه وأوضحه ، فقال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ } المنكر للبعث و الشاك فيه ، أمراً يفيده اليقين التام بوقوعه ، وهو ابتداء خلقه { مِن نُّطْفَةٍ } ثم تنقله في الأطوار شيئاً فشيئاً ، حتى كبر وشب ، وتم عقله واستتب ، { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } بعد أن كان ابتداء خلقه من نطفة ، فلينظر التفاوت بين هاتين الحالتين ، وليعلم أن الذي أنشأه من العدم ، قادر على أن يعيده بعد ما تفرق وتمزق ، من باب أولى . { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً } لا ينبغي لأحد أن يضربه ، وهو قياس قدرة الخالق بقدرة المخلوق ، وأن الأمر المستبعد على قدرة المخلوق مستبعد على قدرة الخالق . فسّر هذا المثل [ بقوله ] : { قَالَ } ذلك الإنسان { مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } أي : هل أحد يحييها ؟ استفهام إنكار ، أي : لا أحد يحييها بعد ما بليت وتلاشت . هذا وجه الشبهة والمثل ، وهو أن هذا أمر في غاية البعد على ما يعهد من قدرة البشر ، وهذا القول الذي صدر من هذا الإنسان غفلة منه ، ونسيان لابتداء خلقه ، فلو فطن لخلقه بعد أن لم يكن شيئاً مذكوراً فوجد عياناً ، لم يضرب هذا المثل . فأجاب تعالى عن هذا الاستبعاد بجواب شاف كاف ، فقال : { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ } وهذا بمجرد تصوره ، يعلم به علماً يقيناً لا شبهة فيه ، أن الذي أنشأها أوّل مرة قادر على الإعادة ثاني مرة ، وهو أهون على القدرة إذا تصوره المتصور ، { وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } . هذا أيضاً دليل ثان من صفات اللّه تعالى ، وهو أن علمه تعالى محيط بجميع مخلوقاته في جميع أحوالها ، في جميع الأوقات ، ويعلم ما تنقص الأرض من أجساد الأموات وما يبقى ، ويعلم الغيب والشهادة ، فإذا أقر العبد بهذا العلم العظيم ، علم أنه أعظم وأجل من إحياء اللّه الموتى من قبورهم . ثم ذكر دليلاً ثالثاً { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ } فإذا أخرج [ النار ] اليابسة من الشجر الأخضر ، الذي هو في غاية الرطوبة ، مع تضادهما وشدة تخالفهما ، فإخراجه الموتى من قبورهم مثل ذلك . ثم ذكر دليلاً رابعاً فقال : { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ } على سعتهما وعظمهما { بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم } أي : [ أن ] يعيدهم [ بأعيانهم ] . { بَلَىٰ } قادر على ذلك ، فإن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس . { وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } وهذا دليل خامسٌ ، فإنه تعالى الخلاّق ، الذي جميع المخلوقات ، متقدمها ومتأخرها ، صغيرها وكبيرها ، كلها أثر من آثار خلقه وقدرته ، وأنه لا يستعصي عليه مخلوق أراد خلقه . فإعادته للأموات ، فرد من أفراد [ آثار ] خلقه ، ولهذا قال : { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً } نكرة في سياق الشرط ، فتعم كل شيء . { أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } أي : في الحال من غير تمانع . { فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } وهذا دليل سادس ، فإنه تعالى هو الملك المالك لكل شيء ، الذي جميع ما سكن في العالم العلوي والسفلي ملك له ، وعبيد مسخرون ومدبرون ، يتصرف فيهم بأقداره الحكمية ، وأحكامه الشرعية ، وأحكامه الجزائية . فإعادته إياهم بعد موتهم ، لينفذ فيهم حكم الجزاء ، من تمام ملكه ، ولهذا قال : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } من غير امتراء ولا شك ، لتواتر البراهين القاطعة والأدلة الساطعة على ذلك . فتبارك الذي جعل في كلامه الهدى والشفاء والنور .