Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 5-7)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى أنه { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } أي : بالحكمة والمصلحة ، وليأمر العباد وينهاهم ، ويثيبهم ويعاقبهم . { بِٱلْحَقِّ يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ } أي : يدخل كلاًّ منهما على الآخر ، ويحله محله ، فلا يجتمع هذا وهذا ، بل إذا أتى أحدهما انعزل الآخر عن سلطانه . { وَسَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } بتسخير منظم ، وسير مقنن . { كُـلٌّ } من الشمس والقمر { يَجْرِي } متأثراً عن تسخيره تعالى { لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى } وهو انقضاء هذه الدار وخرابها ، فيخرب اللّه آلاتها وشمسها وقمرها ، وينشئ الخلق نشأة جديدة ليستقروا في دار القرار ، الجنة أو النار . { أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ } الذي لا يغالب ، القاهر لكل شيء ، الذي لا يستعصي عليه شيء ، الذي من عزته أوجد هذه المخلوقات العظيمة ، وسخرها تجري بأمره . { ٱلْغَفَّارُ } لذنوب عباده التوابين المؤمنين ، كما قال تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } [ طه : 82 ] . الغفار لمن أشرك به بعد ما رأى من آياته العظيمة ، ثم تاب وأناب . ومن عزته أن { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } على كثرتكم وانتشاركم ، في أنحاء الأرض ، { ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } وذلك ليسكن إليها وتسكن إليه ، وتتم بذلك النعمة . { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ } أي : خلقها بقدر نازل منه ، رحمة بكم . { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } وهي التي ذكرها في سورة الأنعام { ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ } [ الأنعام : 143 ] { وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ } [ الأنعام : 144 ] . وخصها بالذكر ، مع أنه أنزل لمصالح عباده من البهائم غيرها ، لكثرة نفعها ، وعموم مصالحها ، ولشرفها ، ولاختصاصها بأشياء لا يصلح غيرها ، كالأضحية والهدي ، والعقيقة ، ووجوب الزكاة فيها ، واختصاصها بالدية . ولما ذكر خلق أبينا وأمنا ، ذكر ابتداء خلقنا ، فقال : { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ } أي : طوراً بعد طور ، وأنتم في حال لا يد مخلوق تمسكم ، ولا عين تنظر إليكم ، وهو قد رباكم في ذلك المكان الضيق { فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ } ظلمة البطن ، ثم ظلمة الرحم ، ثم ظلمة المشيمة ، { ذَٰلِكُمُ } الذي خلق السماوات والأرض ، وسخّر الشمس والقمر ، وخلقكم وخلق لكم الأنعام والنعم { ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } أي : المألوه المعبود ، الذي رباكم ودبركم ، فكما أنه الواحد في خلقه وتربيته لا شريك له في ذلك ، فهو الواحد في ألوهيته ، لا شريك له ، ولهذا قال : { ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } بعد هذا البيان ببيان استحقاقه تعالى للإخلاص وحده إلى عبادة الأوثان ، التي لا تدبر شيئاً ، وليس لها من الأمر شيء . { إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ } لا يضره كفركم ، كما لا ينتفع بطاعتكم ، ولكن أمره ونهيه لكم محض فضله وإحسانه عليكم . { وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ } لكمال إحسانه بهم ، وعلمه أن الكفر يشقيهم شقاوة لا يسعدون بعدها ، ولأنه خلقهم لعبادته ، فهي الغاية التي خلق لها الخلق ، فلا يرضى أن يدعوا ما خلقهم لأجله . { وَإِن تَشْكُرُواْ } للّه تعالى بتوحيده ، وإخلاص الدين له { يَرْضَهُ لَكُمْ } لرحمته بكم ، ومحبته للإحسان عليكم ، ولفعلكم ما خلقكم لأجله . وكما أنه لا يتضرر بشرككم ، ولا ينتفع بأعمالكم وتوحيدكم ، كذلك كل أحد منكم له عمله ، من خير وشر { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ } في يوم القيامة { فَيُنَبِّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } إخباراً أحاط به علمه ، وجرى عليه قلمه ، وكتبته عليكم الحفظة الكرام ، وشهدت به عليكم الجوارح ، فيجازي كلاًّ منكم ما يستحقه . { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي : بنفس الصدور ، وما فيها من وصف بِرٍّ أو فجور ، والمقصود من هذا ، الإخبار بالجزاء بالعدل التام .