Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 140-141)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : وقد بيَّن الله لكم فيما أنزل عليكم حكمه الشرعي عند حضور مجالس الكفر والمعاصي { إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ } أي : يستهان بها . وذلك أن الواجب على كل مكلف في آيات الله الإيمان بها ، وتعظيمها وإجلالها وتفخيمها ، وهذا المقصود بإنزالها ، وهو الذي خَلَق الله الخَلْق لأجله ، فضد الإيمان الكفر بها ، وضد تعظيمها الاستهزاء بها واحتقارها ، ويدخل في ذلك مجادلة الكفار والمنافقين لإبطال آيات الله ونصر كفرهم . وكذلك المبتدعون على اختلاف أنواعهم ، فإن احتجاجهم على باطلهم يتضمن الاستهانة بآيات الله ، لأنها لا تدل إلا على حق ، ولا تستلزم إلا صدقاً ، بل وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق ، التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه ، وتقتحم حدوده التي حدها لعباده ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم { حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } أي : غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها . { إِنَّكُمْ إِذاً } أي : إن قعدتم معهم في الحال المذكورة { مِّثْلُهُمْ } لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم ، والراضي بالمعصية كالفاعل لها ، والحاصل أن مَنْ حضر مجلساً يعصى الله به ، فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم ، مع القدرة أو القيام مع عدمها . { إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً } كما اجتمعوا على الكفر والموالاة ولا ينفع الكافرين مجرد كونهم في الظاهر مع المؤمنين كما قال تعالى : { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } [ الحديد : 13 ] إلى آخر الآيات . ثم ذكر تحقيق موالاة المنافقين للكافرين ، ومعاداتهم للمؤمنين فقال : { ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ } أي : ينتظرون الحالة التي تصيرون عليها ، وتنتهون إليها ، من خير أو شر ، قد أعدوا لكل حالة جواباً بحسب نفاقهم . { فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ } فيظهرون أنهم مع المؤمنين ظاهراً وباطناً ، ليسلموا من القدح والطعن عليهم ، وليشركوهم في الغنيمة والفيء ، ولينتصروا بهم . { وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ } ولم يقل فتح ، لأنه لا يحصل لهم فتح ، يكون مبدأ لنصرتهم المستمرة ، بل غاية ما يكون ، أن يكون لهم نصيب غير مستقر ، حكمة من الله . فإذا كان ذلك { قَالُوۤاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } أي : نستولي عليكم { وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : يتصنعون عندهم بكف أيديهم عنهم مع القدرة ، ومنعهم من المؤمنين بجميع وجوه المنع في تفنيدهم ، وتزهيدهم في القتال ، ومظاهرة الأعداء عليهم ، وغير ذلك مما هو معروف منهم . { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } فيجازي المؤمنين ظاهراً وباطناً بالجنة ، ويعذب المنافقين والمنافقات ، والمشركين والمشركات . { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } أي : تسلطاً واستيلاءً عليهم ، بل لا تزال طائفة من المؤمنين على الحق منصورة ، لا يضرهم مَنْ خذلهم ولا مَنْ خالفهم ، ولا يزال الله يحدث من أسباب النصر للمؤمنين ، ودفعٍ لتسلط الكافرين ، ما هو مشهود بالعيان . حتى إن [ بعض ] المسلمين الذين تحكمهم الطوائف الكافرة ، قد بقوا محترمين لا يتعرضون لأديانهم ، ولا يكونون مستصغرين عندهم ، بل لهم العز التام من الله ، فله الحمد أولاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً .