Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 145-147)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن مآل المنافقين ، أنهم في أسفل الدركات من العذاب ، وأشر الحالات من العقاب . فهم تحت سائر الكفار ، لأنهم شاركوهم بالكفر بالله ومعاداة رسله ، وزادوا عليهم المكر والخديعة ، والتمكن من كثير من أنواع العداوة للمؤمنين ، على وجه لا يشعر به ولا يحس . ورتبوا على ذلك جريان أحكام الإسلام عليهم ، واستحقاق ما لا يستحقونه ، فبذلك ونحوه استحقوا أشد العذاب ، وليس لهم منقذ من عذابه ، ولا ناصر يدفع عنهم بعض عقابه ، وهذا عام لكل منافق ، إلا مَنْ مَنَّ الله عليهم بالتوبة من السيئات . { وَأَصْلَحُواْ } له الظواهر والبواطن { وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ } والتجأوا إليه ، في جلب منافعهم ودفع المضار عنهم . { وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ } الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان { للَّهِ } . فقصدوا وجه الله بأعمالهم الظاهرة والباطنة ، وسلِمُوا من الرياء والنفاق ، فمَنْ اتصف بهذه الصفات { فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : في الدنيا ، والبرزخ ، ويوم القيامة . { وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً } لا يعلم كنهه إلا الله ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . وتأمل كيف خص الاعتصام والإخلاص بالذكر ، مع دخولهما في قوله : { وَأَصْلَحُواْ } لأن الاعتصام والإخلاص من جملة الإصلاح ، لشدة الحاجة إليهما ، خصوصاً في هذا المقام الحرج الذي يمكن من القلوب النفاق ، فلا يزيله إلا شدة الاعتصام بالله ، ودوام اللجأ والافتقار إليه في دفعه ، وكون الإخلاص منافٍ كل المنافاة للنفاق ، فذكرهما لفضلهما وتوقف الأعمال الظاهرة والباطنة عليهما ، ولشدة الحاجة في هذا المقام إليهما . وتأمل كيف لما ذكر أن هؤلاء مع المؤمنين لم يقل : وسوف يؤتيهم أجراً عظيماً ، مع أن السياق فيهم . بل قال : { وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً } لأن هذه القاعدة الشريفة - لم يزل الله يبدئ فيها ويعيد ، إذا كان السياق في بعض الجزئيات ، وأراد أن يرتب عليه ثواباً أو عقاباً وكان ذلك مشتركاً بينه وبين الجنس الداخل فيه ، رتب الثواب في مقابلة الحكم العام الذي تندرج تحته تلك القضية وغيرها ، ولئلا يتوهم اختصاص الحكم بالأمر الجزئي ، فهذا من أسرار القرآن البديعة ، فالتائب من المنافقين ، مع المؤمنين وله ثوابهم . ثم أخبر تعالى عن كمال غناه وسعة حلمه ورحمته وإحسانه ، فقال : { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } والحال أن الله شاكر عليم . يعطي المتحملين لأجله الأثقال الدائبين في الأعمال جزيل الثواب وواسع الإحسان . ومَنْ ترك شيئاً لله أعطاه الله خيراً منه . ومع هذا يعلم ظاهركم وباطنكم ، وأعمالكم وما تصدر عنه من إخلاص وصدق ، وضد ذلك . وهو يريد منكم التوبة والإنابة والرجوع إليه ، فإذا أنبتم إليه ، فأي شيء يفعل بعذابكم ؟ فإنه لا يتشفى بعذابكم ، ولا ينتفع بعقابكم ، بل العاصي لا يضر إلا نفسه ، كما أن عمل المطيع لنفسه . والشكر هو خضوع القلب واعترافه بنعمة الله ، وثناء اللسان على المشكور ، وعمل الجوارح بطاعته ، وأن لا يستعين بنعمه على معاصيه .