Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 163-165)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله من الشرع العظيم والأخبار الصادقة ما أوحى إلى هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وفي هذا عدة فوائد : منها : أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل ، بل أرسل الله قبله من المرسلين العدد الكثير والجم الغفير ، فاستغراب رسالته لا وجه له إلا الجهل والعناد . ومنها : أنه أوحى إليه كما أوحى إليهم من الأُصول والعدل الذي اتفقوا عليه ، وأن بعضهم يصدق بعضاً ، ويوافق بعضهم بعضاً . ومنها : أنه من جنس هؤلاء الرسل ، فليعتبره المعتبر بإخوانه المرسلين ، فدعوته دعوتهم وأخلاقهم متفقة ومصدرهم واحد وغايتهم واحدة ، فلم يقرنه بالمجهولين ولا بالكذابين ، ولا بالملوك الظالمين . ومنها : أن في ذكر هؤلاء الرسل وتعدادهم من التنويه بهم ، والثناء الصادق عليهم ، وشرح أحوالهم ، مما يزداد به المؤمن إيماناً بهم ، ومحبة لهم ، واقتداء بهديهم ، واستناناً بسنتهم ، ومعرفة بحقوقهم ، ويكون ذلك مصداقاً لقوله : { سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ } [ الصافات : 79 ] { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [ الصافات : 109 ] { سَلاَمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } [ الصافات : 120 ] { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الصافات : 130 - 131 ] . فكل محسن له من الثناء الحسن بين الأنام بحسب إحسانه . والرسل - خصوصاً هؤلاء المسمون - في المرتبة العليا من الإحسان . ولما ذكر اشتراكهم بوحيه ، ذكر تخصيص بعضهم ، فذكر أنه آتى داود الزبور ، وهو الكتاب المعروف ، المزبور الذي خص الله به داود عليه السلام لفضله وشرفه ، وأنه كلّم موسى تكليماً ، أي مشافهة منه إليه ، لا بواسطة ، حتى اشتهر بهذا عند العالمين ، فيقال " موسى كليم الرحمن " . وذكر أن الرسل منهم من قصه الله على رسوله ، ومنهم مَنْ لم يقصصه عليه ، وهذا يدل على كثرتهم وأن الله أرسلهم مبشرين لمن أطاع الله واتبعهم ، بالسعادة الدنيوية والأخروية ، ومنذرين مَنْ عصى الله وخالفهم بشقاوة الدارين ، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فيقولوا : { مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } [ المائدة : 19 ] . فلم يبق للخَلْق على الله حجة لإرساله الرسل تترى ، يبينون لهم أمر دينهم ، ومراضي ربهم ومساخطه ، وطرق الجنة وطرق النار ، فمَنْ كفر منهم بعد ذلك فلا يلومن إلا نفسه . وهذا من كمال عزته تعالى وحكمته ، أن أرسل إليهم الرسل ، وأنزل عليهم الكتب ، وذلك أيضاً من فضله وإحسانه ، حيث كان الناس مضطرين إلى الأنبياء أعظم ضرورة تقدر ، فأزال هذا الاضطرار ، فله الحمد وله الشكر ونسأله كما ابتدأ علينا نعمته بإرسالهم ، أن يتمها بالتوفيق لسلوك طريقهم ، إنه جواد كريم .