Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 19-21)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كانوا في الجاهلية إذا مات أحدهم عن زوجته ، رأى قريبه كأخيه وابن عمه ونحوهما أنه أحق بزوجته من كل أحد ، وحماها عن غيره ، أحبت أو كرهت . فإن أحبها تزوجها على صداق يحبه دونها ، وإن لم يرضها عضلها فلا يزوجها إلاّ مَنْ يختاره هو ، وربما امتنع من تزويجها حتى تبذل له شيئاً من ميراث قريبه أو من صداقها ، وكان الرجل أيضاً يعضل زوجته التي [ يكون ] يكرهها ليذهب ببعض ما آتاها ، فنهى الله المؤمنين عن جميع هذه الأحوال إلا حالتين : إذا رضيت واختارت نكاح قريب زوجها الأول ، كما هو مفهوم قوله : { كَرْهاً } . وإذا أتين بفاحشة مبينة كالزنا والكلام الفاحش وأذيتها لزوجها ، فإنه في هذه الحال يجوز له أن يعضلها ، عقوبة لها على فعلها ، لتفتدي منه إذا كان عضلاً بالعدل . ثم قال : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية ، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف ، من الصحبة الجميلة ، وكف الأذى وبذل الإحسان ، وحسن المعاملة ، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما ، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان ، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال . { فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } أي : ينبغي لكم - أيها الأزواج - أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن ، فإن في ذلك خيراً كثيراً . من ذلك امتثال أمر الله ، وقبول وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة . ومنها أن إجباره نفسه - مع عدم محبته لها - فيه مجاهدة النفس ، والتخلق بالأخلاق الجميلة . وربما أن الكراهة تزول وتخلفها المحبة ، كما هو الواقع في ذلك . وربما رزق منها ولداً صالحاً ، نفع والديه في الدنيا والآخرة . وهذا كله مع الإمكان في الإمساك وعدم المحذور . فإن كان لا بد من الفراق ، وليس للإمساك محل ، فليس الإمساك بلازم . بل متى { أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ } أي : تطليق زوجة ، وتزوج أخرى . أي : فلا جناح عليكم في ذلك ولا حرج . ولكن إذا { آتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ } أي : المفارقة ، أو التي تزوجها { قِنْطَاراً } أي : مالاً كثيراً . { فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً } بل وفروه لهن ، ولا تمطلوا بهن . وفي هذه الآية دلالة على عدم تحريم كثرة المهر ، مع أن الأفضل واللائق الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف المهر . ووجه الدلالة أن الله أخبر عن أمر يقع منهم ، ولم ينكره عليهم فدل على عدم تحريمه [ لكن قد ينهي عن كثرة الصداق إذا تضمن مفسدة دينية وعدم مصلحة تقاوم ] . ثم قال : { أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } فإن هذا لا يحل ولو تحيلتم عليه بأنواع الحيل ، فإن إثمه واضح . وقد بين تعالى حكمة ذلك بقوله : { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقاً غَلِيظاً } . وبيان ذلك : أن الزوجة قبل عقد النكاح محرمة على الزوج ، ولم ترض بحلها له إلا بذلك المهر الذي يدفعه لها ، فإذا دخل بها وأفضى إليها ، وباشرها المباشرة التي كانت حراماً قبل ذلك ، والتي لم ترض ببذلها إلا بذلك العوض ، فإنه قد استوفى المعوض فثبت عليه العوض ، فكيف يستوفي المعوض ، ثم بعد ذلك يرجع على العوض ؟ هذا من أعظم الظلم والجور ، وكذلك أخذ الله على الأزواج ميثاقاً غليظاً بالعقد ، والقيام بحقوقها . ثم قال تعالى : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ … } .