Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 23-24)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآيات الكريمات مشتملات على المحرمات بالنسب ، والمحرمات بالرضاع ، والمحرمات بالصهر ، والمحرمات بالجمع ، وعلى المحللات من النساء . فأما المحرمات في النسب فهن السبع اللاتي ذكرهن الله . الأم يدخل فيها كل مَنْ لها عليك ولادة ، وإن بعدت . ويدخل في البنت كل مَنْ لك عليها ولادة ، والأخوات الشقيقات ، أو لأب أو لأم . والعمة : كل أخت لأبيك ، أو لجدك ، وإن علا . والخالة : كل أخت لأمك ، أو جدتك وإن علت وارثة أم لا . وبنات الأخ وبنات الأخت أي : وإن نزلت . فهؤلاء هن المحرمات من النسب بإجماع العلماء ، كما هو نص الآية الكريمة ، وما عداهن فيدخل في قوله : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ } وذلك كبنت العمة والعم وبنت الخال والخالة . وأما المحرمات بالرضاع فقد ذكر الله منهن الأم والأخت . وفي ذلك تحريم الأم مع أن اللبن ليس لها ، إنما هو لصاحب اللبن ، دل بتنبيهه على أن صاحب اللبن يكون أباً للمرتضع فإذا ثبتت الأُبوة والأمومة ، ثبت ما هو فرع عنهما ، كإخوتهما وأصولهم وفروعهم . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " فينتشر التحريم من جهة المرضعة ومَنْ له اللبن ، كما ينتشر في الأقارب ، وفي الطفل المرتضع إلى ذريته فقط . لكن بشرط أن يكون الرضاع خمس رضعات في الحولين ، كما بينت السُنّة . وأما المحرمات بالصهر ، فهن أربع . حلائل الآباء وإن علوا ، وحلائل الأبناء وإن نزلوا ، وارثين أو محجوبين . وأُمهات الزوجة وإن علون ، فهؤلاء الثلاث يحرمن بمجرد العقد . والرابعة : الربيبة ، وهي بنت زوجته وإن نزلت ، فهذه لا تحرم حتى يدخل بزوجته كما قال هنا { وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } الآية . وقد قال الجمهور : إن قوله : { ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ } قيد خرج مخرج الغالب لا مفهوم له ، فإن الربيبة تحرم ولو لم تكن في حجره ، ولكن للتقييد بذلك فائدتان : إحداهما : فيه التنبيه على الحكمة في تحريم الربيبة ، وأنها كانت بمنزلة البنت فمن المستقبح إباحتها . والثانية : فيه دلالة على جواز الخلوة بالربيبة ، وأنها بمنزلة مَنْ هي في حجره من بناته ونحوهن . والله أعلم . وأما المحرمات بالجمع فقد ذكر الله الجمع بين الأختين وحَرَّمَهُ وحرّم النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ، فكل امرأتين بينهما رحم محرم ، لو قدر إحداهما ذكراً والأخرى أنثى حرمت عليه ، فإنه يحرم الجمع بينهما ، وذلك لما في ذلك من أسباب التقاطع بين الأرحام . ومن المحرمات في النكاح { ٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } أي : ذوات الأزواج . فإنه يحرم نكاحهن ما دمن في ذمة الزوج ، حتى تطلق وتنقضي عدتها . { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ } أي : بالسبي ، فإذا سبيت الكافرة ذات الزوج حلت للمسلمين ، بعد أن تستبرأ . وأما إذا بيعت الأمة المزوجة أو وهبت ، فإنه لا ينفسخ نكاحها لأن المالك الثاني نزل منزلة الأول ، ولقصة بَرِيرة حين خيرها النبي صلى الله عليه وسلم . وقوله : { كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } أي : الزموه واهتدوا به ، فإن فيه الشفاء والنور وفيه تفصيل الحلال من الحرام . ودخل في قوله : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ } كل ما لم يذكر في هذه الآية ، فإنه حلال طيب . فالحرام محصور ، والحلال ليس له حد ولا حصر ، لطفاً من الله ورحمة ، وتيسيراً للعباد . وقوله : { أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ } أي : تطلبوا من وقع عليه نظركم واختياركم من اللاتي أباحهن الله لكم حالة كونكم { مُّحْصِنِينَ } أي : مستعفين عن الزنا ، ومعفين نساءكم . { غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ } والسفح : سفح الماء في الحلال والحرام ، فإن الفاعل لذلك لا يحصن زوجته لكونه وضع شهوته في الحرام ، فتضعف داعيته للحلال ، فلا يبقى محصناً لزوجته . وفيها دلالة على أنه لا يزوج غير العفيف لقوله تعالى : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } [ النور : 3 ] . { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } أي : ممن تزوجتموها { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي : الأجور في مقابلة الاستمتاع . ولهذا إذا دخل الزوج بزوجته تقرر عليه صداقها ، { فَرِيضَةً } أي : إيتاؤكم إياهن أجورهن ، فرض فرضه الله عليكم ، ليس بمنزلة التبرع الذي إن شاء أمضاه وإن شاء رده . أو معنى قوله فريضة : أي : مقدرة قد قدرتموها فوجبت عليكم ، فلا تنقصوا منها شيئاً . { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ } أي : بزيادة من الزوج ، أو إسقاط من الزوجة عن رضا وطيب نفس [ هذا قول كثير من المفسرين ، وقال كثير منهم : إنها نزلت في متعة النساء التي كانت حلالاً في أول الإسلام ، ثم حرمها النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه يؤمر بتوقيتها ، وأجرها ، ثم إذا انقضى الأمد الذي بينهما فتراضيا بعد الفريضة فلا حرج عليهما ، والله أعلم ] . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } أي : كامل العلم واسعه ، كامل الحكمة فمن علمه وحكمته شرع لكم هذه الشرائع ، وحدَّ لكم هذه الحدود الفاصلة بين الحلال والحرام .