Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 36-38)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يأمر تعالى عباده بعبادته وحده لا شريك له ، وهو الدخول تحت رق عبوديته ، والانقياد لأوامره ونواهيه ، محبة وذلاً وإخلاصاً له ، في جميع العبادات الظاهرة والباطنة . وينهى عن الشرك به شيئاً لا شركاً أصغر ولا أكبر ، لا ملكاً ولا نبياً ولا ولياً ولا غيرهم من المخلوقين ، الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، بل الواجب المتعين إخلاص العبادة لمن له الكمال المطلق من جميع الوجوه ، وله التدبير الكامل الذي لا يشركه ولا يعينه عليه أحد . ثم بعد ما أمر بعبادته والقيام بحقه ، أمر بالقيام بحقوق العباد الأقرب فالأقرب . فقال : { وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً } أي : أحسنوا إليهم بالقول الكريم ، والخطاب اللطيف والفعل الجميل ، بطاعة أمرهما ، واجتناب نهيهما والإنفاق عليهما ، وإكرام مَنْ له تعلق بهما ، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا بهما . وللإحسان ضدان ، الإساءةُ وعدمُ الإحسان . وكلاهما منهي عنه . { وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ } أيضاً إحساناً ، ويشمل ذلك جميع الأقارب ، قربوا أو بعدوا ، بأن يحسن إليهم بالقول والفعل ، وأن لا يقطع برحمه بقوله أو فعله . { وَٱلْيَتَٰمَىٰ } أي : الذين فقدوا آباءهم وهم صغار ، فلهم حق على المسلمين ، سواء كانوا أقارب أو غيرهم ، بكفالتهم ، وبرهم ، وجبر خواطرهم وتأديبهم ، وتربيتهم أحسن تربية ، في مصالح دينهم ودنياهم . { وَٱلْمَسَٰكِينِ } وهم الذين أسكنتهم الحاجة والفقر ، فلم يحصلوا على كفايتهم ، ولا كفاية مَنْ يمونون فأمر الله تعالى بالإحسان إليهم ، بسد خلتهم وبدفع فاقتهم ، والحض على ذلك ، والقيام بما يمكن منه . { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي : الجار القريب الذي له حقان ، حق الجوار وحق القرابة ، فله على جاره حق وإحسان راجع إلى العرف . وكذلك { ٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } أي : الذي ليس له قرابة . وكلما كان الجار أقرب باباً ، كان آكد حقاً ، فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال ، وعدم أذيته بقول أو فعل . { وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ } قيل : الرفيق في السفر ، وقيل : الزوجة ، وقيل الصاحب مطلقاً ، ولعله أولى ، فإنه يشمل الصاحب في الحضر والسفر ، ويشمل الزوجة . فعلى الصاحب لصاحبه ، حق زائد على مجرد إسلامه ، من مساعدته على أمور دينه ودنياه ، والنصح له والوفاء معه في اليسر والعسر ، والمنشط والمكره ، وأن يحب له ما يحب لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه ، وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد . { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } وهو : الغريب الذي احتاج في بلد الغربة أو لم يحتج ، فله حق على المسلمين لشدة حاجته ، وكونه في غير وطنه ، بتبليغه إلى مقصوده ، أو بعض مقصوده [ وبإكرامه وتأنيسه ] . { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ } أي : من الآدميين والبهائم ، بالقيام بكفايتهم وعدم تحميلهم ما يشق عليهم وإعانتهم على ما يتحملون ، وتأديبهم لما فيه مصلحتهم . فمَنْ قام بهذه المأمورات فهو الخاضع لربه ، المتواضع لعباد الله ، المنقاد لأمر الله وشرعه ، الذي يستحق الثواب الجزيل والثناء الجميل ، ومَنْ لم يقم بذلك فإنه عبد معرض عن ربه ، غير منقاد لأوامره ، ولا متواضع للخلق ، بل هو متكبر على عباد الله ، معجب بنفسه ، فخور بقوله ، ولهذا قال : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً } أي : معجباً بنفسه متكبراً على الخلق . { فَخُوراً } يثني على نفسه ويمدحها ، على وجه الفخر والبطر على عباد الله . فهؤلاء ما بهم من الاختيال والفخر يمنعهم من القيام بالحقوق . ولهذا ذمهم بقوله : { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } أي : يمنعون ما عليهم من الحقوق الواجبة ، { وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } بأقوالهم وأفعالهم ، { وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } أي : من العلم الذي يهتدي به الضالون ويسترشد به الجاهلون فيكتمونه عنهم ، ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين الحق . فجمعوا بين البخل بالمال ، والبخل بالعلم ، وبين السعي في خسارة أنفسهم وخسارة غيرهم ، وهذه هي صفات الكافرين ، فلهذا قال تعالى : { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } أي : كما تكبّروا على عباد الله ، ومنعوا حقوقه وتسببوا في منع غيرهم ، من البخل وعدم الاهتداء ، أهانهم بالعذاب الأليم ، والخزي الدائم . فعياذاً بك اللهم من كل سوء . ثم أخبر عن النفقة الصادرة ، عن رياء وسمعة ، وعدم إيمان به ، فقال : { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ } أي : ليروهم ويمدحوهم ، ويعظموهم ، { وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي : ليس إنفاقهم صادراً عن إخلاص وإيمان بالله ، ورجاء ثوابه . أي : فهذا من خطوات الشيطان وأعماله التي يدعو حزبه إليها ، ليكونوا من أصحاب السعير . وصدرت منهم بسبب مقارنته لهم وأزهم إليها ، فلهذا قال : { وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً } أي : بئس المقارن والصاحب الذي يريد إهلاك مَنْ قارنه ، ويسعى فيه أشد السعي . فكما أن مَنْ بخل بما آتاه الله ، وكتم ما مَنَّ به الله عليه عاص آثم مخالف لربه ، فكذلك مَنْ أنفق وتعبّد لغير الله ، فإنه آثم عاصٍ لربه ، مستوجب للعقوبة ، لأن الله إنما أمر بطاعته وامتثال أمره ، على وجه الإخلاص ، كما قال تعالى : { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ البينة : 5 ] فهذا العمل المقبول الذي يستحق صاحبه المدح ، والثواب ، فلهذا حث تعالى عليه بقوله : { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ … } .