Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 71-74)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يأمر تعالى عباده المؤمنين بأخذ حذرهم من أعدائهم الكافرين . وهذا يشمل الأخذ بجميع الأسباب ، التي بها يستعان على قتالهم ، ويستدفع مكرهم وقوتهم ، من استعمال الحصون والخنادق ، وتعلم الرمي والركوب ، وتعلم الصناعات التي تعين على ذلك ، وما به يعرف مداخلهم ومخارجهم ، ومكرهم ، والنفير في سبيل الله . ولهذا قال : { فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ } أي : متفرقين بأن تنفر سرية أو جيش ، ويقيم غيرهم { أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } وكل هذا تبع للمصلحة والنكاية ، والراحة للمسلمين في دينهم ، وهذه الآية نظير قوله تعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ } [ الأنفال : 60 ] . ثم أخبر عن ضعفاء الإيمان المتكاسلين عن الجهاد فقال : { وَإِنَّ مِنْكُمْ } أي : أيها المؤمنون { لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ } أي : يتثاقل عن الجهاد في سبيل الله ، ضعفاً ، وخوراً ، وجبناً ، هذا الصحيح . وقيل معناه : ليبطئن غيره أي : يزهده عن القتال ، وهؤلاء هم المنافقون ولكن الأول أَولى لوجهين : أحدهما : قوله { مِنْكُمْ } والخطاب للمؤمنين . والثاني : قوله في آخر الآية : { كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } فإن الكفار من المشركين ، والمنافقين ، قد قطع الله بينهم وبين المؤمنين المودة . وأيضا فإن هذا هو الواقع ، فإن المؤمنين على قسمين : صادقون في إيمانهم ، أوجب لهم ذلك كمال التصديق والجهاد . وضعفاء دخلوا في الإسلام ، فصار معهم إيمان ضعيف لا يقوى على الجهاد . كما قال تعالى : { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا } [ الحجرات : 14 ] إلى آخر الآيات . ثم ذكر غايات هؤلاء المتثاقلين ، ونهاية مقاصدهم ، وأن معظم قصدهم الدنيا وحطامها فقال : { فَإِنْ أَصَٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } أي : هزيمة ، وقتل ، وظفر الأعداء عليكم في بعض الأحوال ، لما لله في ذلك من الحكم . { قَالَ } ذلك المتخلف { قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } رأى من ضعف عقله وإيمانه أن التقاعد عن الجهاد الذي فيه تلك المصيبة نعمة . ولم يدر أن النعمة الحقيقية هي التوفيق لهذه الطاعة الكبيرة ، التي بها يقوى الإيمان ، ويسلم بها العبد من العقوبة والخسران ، ويحصل له فيها عظيم الثواب ورضا الكريم الوهاب . وأما القعود فإنه وإن استراح قليلاً ، فإنه يعقبه تعب طويل وآلام عظيمة ، ويفوته ما يحصل للمجاهدين . ثم قال : { وَلَئِنْ أَصَٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله } أي : نصر وغنيمة { لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } أي : يتمنى أنه حاضر لينال من المغانم ، ليس له رغبة ولا قصد في غير ذلك ، كأنه ليس منكم ، يا معشر المؤمنين ولا بينكم وبينه المودة الإيمانية ، التي من مقتضاها أن المؤمنين مشتركون في جميع مصالحهم ودفع مضارهم ، يفرحون بحصولها ولو على يد غيرهم من إخوانهم المؤمنين ويألمون بفقدها ، ويسعون جميعاً في كل أمر يصلحون به دينهم ودنياهم ، فهذا الذي يتمنى الدنيا فقط ، ليست معه الروح الإيمانية المذكورة . ومن لطف الله بعباده أن لا يقطع عنهم رحمته ، ولا يغلق عنهم أبوابها . بل من حصل منه غير ما يليق ، أمره ودعاه إلى جبر نقصه وتكميل نفسه ، فلهذا أمر هؤلاء بالإخلاص والخروج في سبيله ، فقال : { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } هذا أحد الأقوال في هذه الآية ، وهو أصحها . وقيل : إن معناه : فليقاتل في سبيل الله المؤمنون الكاملو الإيمان ، الصادقون في إيمانهم { ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } أي : يبيعون الدنيا رغبة عنها ، بالآخرة رغبة فيها . فإن هؤلاء هم الذين يوجه إليهم الخطاب ، لأنهم الذين قد أعدوا أنفسهم ووطنوها على جهاد الأعداء ، لما معهم من الإيمان التام المقتضي لذلك . وأما أولئك المتثاقلون ، فلا يعبأ بهم ، خرجوا أو قعدوا ، فيكون هذا نظير قوله تعالى : { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } [ الإسراء : 107 ] إلى آخر الآيات . وقوله : { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } [ الأنعام : 89 ] وقيل : إن معنى الآية : فليقاتل المقاتل والمجاهد للكفار ، الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ، فيكون على هذا الوجه " الذين " في محل نصب على المفعولية . { وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } بأن يكون جهاداً ، قد أمر الله به ورسوله ، ويكون العبد مخلصاً لله فيه قاصداً وجه الله . { فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } زيادة في إيمانه ودينه ، وغنيمة ، وثناءً حسناً ، وثواب المجاهدين في سبيل الله الذين أعد الله لهم في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .