Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 17-18)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر تعالى أن حججه واضحة بيّنة ، بحيث استجاب لها كل مَنْ فيه خير ، ذكر أصلها وقاعدتها ، بل جميع الحجج التي أوصلها إلى العباد ، فقال : { ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ } فالكتاب هو هذا القرآن العظيم ، نزل بالحق ، واشتمل على الحق والصدق واليقين ، وكله آيات بيّنات ، وأدلة واضحات ، على جميع المطالب الإلهية والعقائد الدينية ، فجاء بأحسن المسائل وأوضح الدلائل . وأما الميزان ، فهو العدل والاعتبار بالقياس الصحيح والعقل الرجيح ، فكل الدلائل العقلية ، من الآيات الآفاقية والنفسية ، والاعتبارات الشرعية ، والمناسبات والعلل ، والأحكام والحكم ، داخلة في الميزان الذي أنزله الله تعالى ووضعه بين عباده ، ليزنوا به ما اشتبه من الأمور ، ويعرفوا به صدق ما أخبر به وأخبرت رسله ، مما خرج عن هذين الأمرين عن الكتاب والميزان مما قيل إنه حجة أو برهان أو دليل أو نحو ذلك من العبارات ، فإنه باطل متناقض ، قد فسدت أصوله ، وانهدمت مبانيه وفروعه ، يعرف ذلك من خبر المسائل ومآخذها ، وعرف التمييز بين راجح الأدلة من مرجوحها ، والفرق بين الحجج والشبه ، وأما من اغتر بالعبارات المزخرفة ، والألفاظ المموهة ، ولم تنفذ بصيرته إلى المعنى المراد ، فإنه ليس من أهل هذا الشأن ، ولا من فرسان هذا الميدان ، فوفاقه وخلافه سيان . ثم قال تعالى مخوفاً للمستعجلين لقيام الساعة المنكرين لها ، فقال : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } أي : ليس بمعلوم بعدها ، ولا متى تقوم ، فهي في كل وقت متوقع وقوعها ، مخوف وجبتها . { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } عناداً وتكذيباً ، وتعجيزاً لربهم . { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } أي : خائفون ، لإيمانهم بها ، وعلمهم بما تشتمل عليه من الجزاء بالأعمال ، وخوفهم ، لمعرفتهم بربهم ، أن لا تكون أعمالهم منجية لهم ولا مسعدة ، ولهذا قال : { وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ } الذي لا مرية فيه ، ولا شك يعتريه { أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ } أي : بعد ما امتروا فيها ، ماروا الرسل وأتباعهم بإثباتها فهم في شقاق بعيد ، أي : معاندة ومخاصمة غير قريبة من الصواب ، بل في غاية البُعد عن الحق ، وأيُّ بعد أبعد ممن كذّب بالدار التي هي الدار على الحقيقة ، وهي الدار التي خلقت للبقاء الدائم والخلود السرمد ، وهي دار الجزاء التي يظهر الله فيها عدله وفضله وإنما هذه الدار بالنسبة إليها ، كراكب قال في ظل شجرة ثم رحل وتركها ، وهي دار عبور وممر ، لا محل استقرار . فصدقوا بالدار المضمحلة الفانية ، حيث رأوها وشاهدوها ، وكذبوا بالدار الآخرة ، التي تواترت بالإخبار عنها الكتب الإلهية ، والرسل الكرام وأتباعهم ، الذين هم أكمل الخلق عقولاً ، وأغزرهم علماً ، وأعظمهم فطنة وفهماً .