Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 12-13)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى أنه أخذ على بني إسرائيل الميثاق الثقيل المؤكد ، وذكر صفة الميثاق وأجرهم إن قاموا به ، وإثمهم إن لم يقوموا به ، ثم ذكر أنهم ما قاموا به ، وذكر ما عاقبهم به ، فقال : { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } أي : عهدهم المؤكد الغليظ ، { وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } أي : رئيساً وعريفاً على من تحته ، ليكون ناظراً عليهم ، حاثاً لهم على القيام بما أُمِرُوا به ، مطالباً يدعوهم . { وَقَالَ ٱللَّهُ } للنقباء الذين تحملوا من الأعباء ما تحملوا : { إِنِّي مَعَكُمْ } أي : بالعون والنصر ، فإن المعونة بقدر المؤنة . ثم ذكر ما واثقهم عليه فقال : { لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ } ظاهراً وباطناً ، بالإتيان بما يلزم وينبغي فيها ، والمداومة على ذلك { وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ } لمستحقيها { وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي } جميعهم ، الذين أفضلهم وأكملهم محمد صلى الله عليه وسلم ، { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } أي : عظمتموهم ، وأديتم ما يجب لهم من الاحترام والطاعة { وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } وهو الصدقة والإحسان ، الصادر عن الصدق والإخلاص وطيب المكسب ، فإذا قمتم بذلك { لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } فجمع لهم بين حصول المحبوب بالجنة وما فيها من النعيم ، واندفاع المكروه بتكفير السيئات ، ودفع ما يترتب عليها من العقوبات . { فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ } العهد والميثاق المؤكد بالأيمان ، والالتزامات المقرون بالترغيب بذكر ثوابه . { فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } أي : عن عمد وعلم ، فيستحق ما يستحقه الضالون من حرمان الثواب ، وحصول العقاب . فكأنه قيل : ليت شعري ماذا فعلوا ؟ وهل وفوا بما عاهدوا الله عليه أم نكثوا ؟ فبيّن أنهم نقضوا ذلك فقال : { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ } أي : بسببه عاقبناهم بعدة عقوبات : الأولى : أنا { لَعنَّاهُمْ } أي : طردناهم وأبعدناهم من رحمتنا ، حيث أغلقوا على أنفسهم أبواب الرحمة ، ولم يقوموا بالعهد الذي أخذ عليهم ، الذي هو سببها الأعظم . الثانية : قوله : { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } أي : غليظة لا تجدي فيها المواعظ ، ولا تنفعها الآيات والنذر ، فلا يرغبهم تشويق ، ولا يزعجهم تخويف ، وهذا من أعظم العقوبات على العبد ، أن يكون قلبه بهذه الصفة التي لا يفيده الهدى ، والخير إلا شراً . الثالثة : أنهم { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } أي : ابتلوا بالتغيير والتبديل ، فيجعلون للكلم الذي أراد الله معنى غير ما أراده الله ولا رسوله . الرابعة : أنهم { وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } فإنهم ذكروا بالتوراة ، وبما أنزل الله على موسى ، فنسوا حظاً منه ، وهذا شامل لنسيان علمه ، وأنهم نسوه وضاع عنهم ، ولم يوجد كثير مما أنساهم الله إياه عقوبة منه لهم . وشامل لنسيان العمل الذي هو الترك ، فلم يوفقوا للقيام بما أمروا به ، ويستدل بهذا على أهل الكتاب بإنكارهم بعض الذي قد ذكر في كتابهم ، أو وقع في زمانهم ، أنه مما نسوه . الخامسة : الخيانة المستمرة التي { لاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ } أي : خيانة لله ولعباده المؤمنين . ومن أعظم الخيانة منهم ، كتمهم [ عن ] مَنْ يعظهم ويحسن فيهم الظن الحق ، وإبقاؤهم على كفرهم ، فهذه خيانة عظيمة . وهذه الخصال الذميمة ، حاصلة لكل من اتصف بصفاتهم . فكل من لم يقم بما أمر الله به ، وأخذ به عليه الالتزام ، كان له نصيب من اللعنة وقسوة القلب ، والابتلاء بتحريف الكلم ، وأنه لا يوفق للصواب ، ونسيان حظ مما ذُكِّر به ، وأنه لا بد أن يبتلى بالخيانة ، نسأل الله العافية . وسمى الله تعالى ما ذكروا به حظاً ، لأنه هو أعظم الحظوظ ، وما عداه فإنما هي حظوظ دنيوية ، كما قال تعالى : { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ القصص : 79 ] وقال في الحظ النافع : { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ فصلت : 35 ] . وقوله : { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ } أي : فإنهم وفوا بما عاهدوا الله عليه فوفقهم وهداهم للصراط المستقيم . { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ } أي : لا تؤاخذهم بما يصدر منهم من الأذى ، الذي يقتضي أن يعفى عنهم ، واصفح ، فإن ذلك من الإحسان { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } والإحسان : هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك . وفي حق المخلوقين : بذل النفع الديني والدنيوي لهم .