Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 17-18)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر تعالى أخذ الميثاق على أهل الكتابين ، وأنهم لم يقوموا به بل نقضوه ، ذكر أقوالهم الشنيعة . فذكر قول النصارى ، القول الذي ما قاله أحد غيرهم ، بأن الله هو المسيح ابن مريم ، ووجه شبهتهم أنه ولد من غير أب ، فاعتقدوا فيه هذا الاعتقاد الباطل . مع أن حواء نظيره ، خُلِقَت بلا أُم ، وآدم أولى منه ، خُلق بلا أب ولا أُم ، فهلا ادعوا فيهما الإلهية كما ادعوها في المسيح ؟ فدل على أن قولهم اتباع هوى من غير برهان ولا شبهة . فرد الله عليهم بأدلة عقلية واضحة فقال : { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } . فإذا كان المذكورون لا امتناع عندهم يمنعهم لو أراد الله أن يهلكهم ، ولا قدرة لهم على ذلك - دلّ على بطلان إلهية من لا يمتنع من الإهلاك ، ولا في قوته شيء من الفكاك . ومن الأدلة أنَّ { للَّهِ } وحده { مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } يتصرف فيهم بحكمه الكوني والشرعي والجزائي ، وهم مملوكون مدبرون ، فهل يليق أن يكون المملوك العبد الفقير ، إلهاً معبوداً غنياً من كل وجه ؟ هذا من أعظم المحال . ولا وجه لاستغرابهم لخلق المسيح عيسى ابن مريم من غير أب ، فإن الله { يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } إن شاء من أب وأُم ، كسائر بني آدم ، وإن شاء من أب بلا أُم ، كحواء . وإن شاء من أم بلا أب ، كعيسى . وإن شاء من غير أب ولا أُم [ كآدم ] . فنوع خليقته تعالى بمشيئته النافذة ، التي لا يستعصي عليها شيء ، ولهذا قال : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . ومن مقالات اليهود والنصارى أن كلاً منهما ادعى دعوى باطلة ، يزكون بها أنفسهم ، بأن قال كل منهما : { نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ } . والابن في لغتهم هو الحبيب ، ولم يريدوا البنوة الحقيقية ، فإن هذا ليس من مذهبهم إلا مذهب النصارى في المسيح . قال الله رداً عليهم حيث ادعوا بلا برهان : { قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم } ؟ فلو كنتم أحبابه ما عذبكم [ لكون الله لا يحب إلا مَن قام بمراضيه ] . { بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ } تجري عليكم أحكام العدل والفضل { يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } إذا أتوا بأسباب المغفرة أو أسباب العذاب ، { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } أي : فأي شيء خصكم بهذه الفضيلة ، وأنتم من جملة المماليك ومن جملة مَنْ يرجع إلى الله في الدار الآخرة ، فيجازيكم بأعمالكم .