Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 27-31)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إلى آخر القصة أي : قص على الناس وأخبرهم بالقضية التي جرت على ابني آدم بالحق ، تلاوة يعتبر بها المعتبرون ، صدقاً لا كذباً ، وجداً لا لعباً ، والظاهر أن ابني آدم هما ابناه لصلبه ، كما يدل عليه ظاهر الآية والسياق ، وهو قول جمهور المفسرين . أي : اتل عليهم نبأهما في حال تقريبهما للقربان ، الذي أداهما إلى الحال المذكورة . { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً } أي : أخرج كل منهما شيئاً من ماله لقصد التقرب إلى الله ، { فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ } بأن علم ذلك بخبر من السماء ، أو بالعادة السابقة في الأمم ، أن علامة تقبل الله لقربان ، أن تنزل نار من السماء فتحرقه . { قَالَ } الابن ، الذي لم يتقبل منه للآخر حسداً وبغياً { لأَقْتُلَنَّكَ } . فقال له الآخر - مترفقاً له في ذلك - { قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } فأي ذنب لي وجناية توجب لك أن تقتلني ؟ إلا أني اتقيت الله تعالى ، الذي تقواه واجبة عليّ وعليك ، وعلى كل أحد ، وأصح الأقوال في تفسير المتقين هنا ، أي : المتقين لله في ذلك العمل ، بأن يكون عملهم خالصاً لوجه الله ، متبعين فيه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم قال له مخبراً أنه لا يريد أن يتعرض لقتله ، لا ابتداء ولا مدافعة فقال : { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ } وليس ذلك جبناً مني ولا عجزاً . وإنما ذلك لأني { أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } والخائف لله لا يقدم على الذنوب ، خصوصاً الذنوب الكبار . وفي هذا تخويف لمن يريد القتل ، وأنه ينبغي لك أن تتقي الله وتخافه . { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ } أي : ترجع { بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ } أي : إنه إذا دار الأمر بين أن أكون قاتلاً أو تقتلني فإني أوثر أن تقتلني ، فتبوء بالوزرين { فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } دل هذا على أن القتل من كبائر الذنوب ، وأنه موجب لدخول النار . فلم يرتدع ذلك الجاني ولم ينزجر ، ولم يزل يعزم نفسه ويجزمها ، حتى طوعت له قتل أخيه الذي يقتضي الشرع والطبع احترامه . { فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } دنياهم وآخرتهم ، وأصبح قد سن هذه السُنّة لكل قاتل . " ومن سنَّ سُنّة سيئة ، فعليه وزرها ووزر مَنْ عمل بها إلى يوم القيامة " . ولهذا ورد في الحديث الصحيح أنه " ما من نفس تقتل إلا كان على ابن آدم الأول شطر من دمها ، لأنه أول مَنْ سن القتل " فلما قتل أخاه لم يدر كيف يصنع به لأنه أول ميت مات من بني آدم { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ } أي : يثيرها ليدفن غراباً آخر ميتاً . { لِيُرِيَهُ } بذلك { كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ } أي : بدنه ، لأن بدن الميت يكون عورة { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ } وهكذا عاقبة المعاصي الندامة والخسارة .