Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 6-6)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه آية عظيمة قد اشتملت على أحكام كثيرة ، نذكر منها ما يسره الله وسهله . أحدها : أن هذه المذكورات فيها امتثالها والعمل بها من لوازم الإيمان الذي لا يتم إلا به ، لأنه صدرها بقوله { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } إلى آخرها . أي : يا أيها الذين آمنوا ، اعملوا بمقتضى إيمانكم بما شرعناه لكم . الثاني : الأمر بالقيام بالصلاة لقوله : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ } . الثالث : الأمر بالنية للصلاة ، لقوله : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ } أي : بقصدها ونيتها . الرابع : اشتراط الطهارة لصحة الصلاة ، لأن الله أمر بها عند القيام إليها ، والأصل في الأمر الوجوب . الخامس : أن الطهارة لا تجب بدخول الوقت ، وإنما تجب عند إرادة الصلاة . السادس : أن كل ما يطلق عليه اسم الصلاة ، من الفرض والنفل ، وفرض الكفاية ، وصلاة الجنازة ، تشترط له الطهارة ، حتى السجود المجرد عند كثير من العلماء ، كسجود التلاوة والشكر . السابع : الأمر بغسل الوجه ، وهو : ما تحصل به المواجهة من منابت شعر الرأس المعتاد ، إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً . ومن الأذن إلى الأذن عرضاً . ويدخل فيه المضمضة والاستنشاق ، بالسُنّة ، ويدخل فيه الشعور التي فيه . لكن إن كانت خفيفة فلا بد من إيصال الماء إلى البشرة ، وإن كانت كثيفة اكتفي بظاهرها . الثامن : الأمر بغسل اليدين ، وأن حدهما إلى المرفقين و " إلى " كما قال جمهور المفسرين بمعنى " مع " ، كقوله تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } [ النساء : 2 ] ولأن الواجب لا يتم إلا بغسل جميع المرفق . التاسع : الأمر بمسح الرأس . العاشر : أنه يجب مسح جميعه ، لأن الباء ليست للتبعيض ، وإنما هي للملاصقة ، وأنه يعم المسح بجميع الرأس . الحادي عشر : أنه يكفي المسح كيفما كان ، بيديه أو إحداهما ، أو خرقة أو خشبة أو نحوهما ، لأن الله أطلق المسح ولم يقيده بصفة ، فدل ذلك على إطلاقه . الثاني عشر : أن الواجب المسح . فلو غسل رأسه ولم يمر يده عليه لم يكف ، لأنه لم يأت بما أمر الله به . الثالث عشر : الأمر بغسل الرجلين إلى الكعبين ، ويقال فيهما ما يقال في اليدين . الرابع عشر : فيها الرد على الرافضة ، على قراءة الجمهور بالنصب ، وأنه لا يجوز مسحهما ما دامتا مكشوفتين . الخامس عشر : فيه الإشارة إلى مسح الخفين ، على قراءة الجر في { وَأَرْجُلَكُمْ } . وتكون كل من القراءتين ، محمولة على معنى ، فعلى قراءة النصب فيها ، غسلهما إن كانتا مكشوفتين ، وعلى قراءة الجر فيها ، مسحهما إذا كانتا مستورتين بالخف . السادس عشر : الأمر بالترتيب في الوضوء ، لأن الله تعالى ذكرها مرتبة . ولأنه أدخل ممسوحاً - وهو الرأس - بين مغسولين ، ولا يعلم لذلك فائدة غير الترتيب . السابع عشر : أن الترتيب مخصوص بالأعضاء الأربعة المسميات في هذه الآية . وأما الترتيب بين المضمضة والاستنشاق والوجه ، أو بين اليمنى واليسرى من اليدين والرجلين ، فإن ذلك غير واجب ، بل يستحب تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه ، وتقديم اليمنى على اليسرى من اليدين والرجلين ، وتقديم مسح الرأس على مسح الأذنين . الثامن عشر : الأمر بتجديد الوضوء عند كل صلاة ، لتوجد صورة المأمور به . التاسع عشر : الأمر بالغسل من الجنابة . العشرون : أنه يجب تعميم الغسل للبدن ، لأن الله أضاف التطهر للبدن ، ولم يخصصه بشيء دون شيء . الحادي والعشرون : الأمر بغسل ظاهر الشعر وباطنه في الجنابة . الثاني والعشرون : أنه يندرج الحدث الأصغر في الحدث الأكبر ، ويكفي من هما عليه أن ينوي ، ثم يعمم بدنه ، لأن الله لم يذكر إلا التطهر ، ولم يذكر أنه يعيد الوضوء . الثالث والعشرون : أن الجنب يصدق على مَنْ أنزل المني يقظة أو مناماً ، أو جامع ولو لم ينزل . الرابع والعشرون : أن مَنْ ذكر أنه احتلم ولم يجد بللاً ، فإنه لا غسل عليه ، لأنه لم تتحقق منه الجنابة . الخامس والعشرون : ذكر مِنَّة الله تعالى على العباد ، بمشروعية التيمم . السادس والعشرون : أن من أسباب جواز التيمم وجود المرض الذي يضره غسله بالماء ، فيجوز له التيمم . السابع والعشرون : أن من جملة أسباب جوازه ، السفر والإتيان من البول والغائط إذا عدم الماء ، فالمرض يجوز التيمم مع وجود الماء لحصول التضرر به ، وباقيها يجوزه العدم للماء ولو كان في الحضر . الثامن والعشرون : أن الخارج من السبيلين من بول وغائط ، ينقض الوضوء . التاسع والعشرون : استدل بها مَنْ قال : لا ينقض الوضوء إلا هذان الأمران ، فلا ينتقض بلمس الفرج ولا بغيره . الثلاثون : استحباب التكنية عما يستقذر التلفظ به ، لقوله تعالى : { أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ } . الحادي والثلاثون : أن لمس المرأة بلذة وشهوة ناقض للوضوء . الثاني والثلاثون : اشتراط عدم الماء لصحة التيمم . الثالث والثلاثون : أن مع وجود الماء ولو في الصلاة ، يبطل التيمم لأن الله إنما أباحه مع عدم الماء . الرابع والثلاثون : أنه إذا دخل الوقت وليس معه ماء ، فإنه يلزمه طلبه في رحله وفيما قرب منه ، لأنه لا يقال " لم يجد " لمن لم يطلب . الخامس والثلاثون : أن مَنْ وجد ماء لا يكفي بعض طهارته ، فإنه يلزمه استعماله ، ثم يتيمم بعد ذلك . السادس والثلاثون : أن الماء المتغير بالطاهرات ، مقدم على التيمم ، أي : يكون طهوراً ، لأن الماء المتغير ماء ، فيدخل في قوله : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً } . السابع والثلاثون : أنه لا بد من نية التيمم لقوله : { فَتَيَمَّمُواْ } أي : اقصدوا . الثامن والثلاثون : أنه يكفي التيمم بكل ما تصاعد على وجه الأرض من تراب وغيره . فيكون على هذا ، قوله : { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ } إما من باب التغليب ، وأن الغالب أن يكون له غبار يمسح منه ويعلق بالوجه واليدين ، وإما أن يكون إرشاداً للأفضل ، وأنه إذا أمكن التراب الذي فيه غبار فهو أولى . التاسع والثلاثون : أنه لا يصح التيمم بالتراب النجس ، لأنه لا يكون طيباً بل خبيثاً . الأربعون : أنه يمسح في التيمم الوجه واليدان فقط ، دون بقية الأعضاء . الحادي والأربعون : أن قوله : { بِوُجُوهِكُمْ } شامل لجميع الوجه وأنه يعممه بالمسح ، إلا أنه معفو عن إدخال التراب في الفم والأنف ، وفيما تحت الشعور ، ولو خفيفة . الثاني والأربعون : أن اليدين تمسحان إلى الكوعين فقط ، لأن اليدين عند الإطلاق كذلك . فلو كان يشترط إيصال المسح إلى الذراعين لقيده الله بذلك ، كما قيده في الوضوء . الثالث والأربعون : أن الآية عامة في جواز التيمم ، لجميع الأحداث كلها ، الحدث الأكبر والأصغر ، بل ولنجاسة البدن ، لأن الله جعلها بدلاً عن طهارة الماء ، وأطلق في الآية فلم يقيد [ وقد يقال أن نجاسة البدن لا تدخل في حكم التيمم لأن السياق في الأحداث وهو قول جمهور العلماء ] . الرابع والأربعون : أن محل التيمم في الحدث الأصغر والأكبر واحد ، وهو الوجه واليدان . الخامس والأربعون : أنه لو نوى مَنْ عليه حدثان التيمم عنهما ، فإنه يجزئ أخذاً من عموم الآية وإطلاقها . السادس والأربعون : أنه يكفي المسح بأي شيء كان ، بيده أو غيرها ، لأن الله قال { فَٱمْسَحُواْ } ولم يذكر الممسوح به ، فدل على جوازه بكل شيء . السابع والأربعون : اشتراط الترتيب في طهارة التيمم ، كما يشترط ذلك في الوضوء ، ولأن الله بدأ بمسح الوجه قبل مسح اليدين . الثامن والأربعون : أن الله تعالى - فيما شرعه لنا من الأحكام - لم يجعل علينا في ذلك من حرج ولا مشقة ولا عسر ، وإنما هو رحمة منه بعباده ليطهرهم ، وليتم نعمته عليهم . وهذا هو التاسع والأربعون : أن طهارة الظاهر بالماء والتراب ، تكميل لطهارة الباطن بالتوحيد ، والتوبة النصوح . الخمسون : أن طهارة التيمم ، وإن لم يكن فيها نظافة وطهارة تدرك بالحس والمشاهدة ، فإن فيها طهارة معنوية ناشئة عن امتثال أمر الله تعالى . الحادي والخمسون : أنه ينبغي للعبد أن يتدبر الحِكَم والأسرار في شرائع الله ، في الطهارة وغيرها ليزداد معرفة وعلماً ، ويزداد شكراً لله ومحبة له ، على ما شرع من الأحكام التي توصل العبد إلى المنازل العالية الرفيعة .