Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 72-75)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن كفر النصارى بقولهم : { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } بشبهة أنه خرج من أُم بلا أب ، وخالف المعهود من الخلقة الإلهية ، والحال أنه عليه الصلاة والسلام قد كذبهم في هذه الدعوى ، وقال لهم : { يَابَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ } فأثبت لنفسه العبودية التامة ، ولربه الربوبية الشاملة لكل مخلوق . { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ } أحداً من المخلوقين ، لا عيسى ولا غيره . { فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ } وذلك لأنه سوّى الخلق بالخالق ، وصرف ما خلقه الله له - وهو العبادة الخالصة - لغير من هي له ، فاستحق أن يخلد في النار . { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } ينقذونهم من عذاب الله ، أو يدفعون عنهم بعض ما نزل بهم . { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } وهذا من أقوال النصارى المنصورة عندهم ، زعموا أن الله ثالث ثلاثة : الله ، وعيسى ، ومريم ، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً . وهذا أكبر دليل على قلة عقول النصارى ، كيف قبلوا هذه المقالة الشنعاء ، والعقيدة القبيحة ؟ ! كيف اشتبه عليهم الخالق بالمخلوقين ؟ ! كيف خفي عليهم رب العالمين ؟ ! قال تعالى - راداً عليهم وعلى أشباههم - : { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } متصف بكل صفة كمال ، منزه عن كل نقص ، منفرد بالخلق والتدبير ، ما بالخلق من نعمة إلا منه . فكيف يجعل معه إله غيره ؟ ! ! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً . ثم توعدهم بقوله : { وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ثم دعاهم إلى التوبة عما صدر منهم ، وبين أنه يقبل التوبة عن عباده فقال : { أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ } أي : يرجعون إلى ما يحبه ويرضاه من الإقرار لله بالتوحيد ، وبأن عيسى عبد الله ورسوله ، عمّا كانوا يقولونه { وَيَسْتَغْفِرُونَهُ } عن ما صدر منهم { وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي : يغفر ذنوب التائبين ، ولو بلغت عنان السماء ، ويرحمهم بقبول توبتهم ، وتبديل سيئاتهم حسنات . وصدر دعوتهم إلى التوبة بالعرض الذي هو غاية اللطف واللين في قوله : { أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىٰ ٱللَّهِ } . ثم ذكر حقيقة المسيح وأُمِّه ، الذي هو الحق ، فقال : { مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ } أي : هذا غايته ومنتهى أمره ، أنه من عباد الله المرسلين ، الذين ليس لهم من الأمر ولا من التشريع ، إلا ما أرسلهم به الله ، وهو من جنس الرسل قبله ، لا مزية له عليهم ، تخرجه عن البشرية إلى مرتبة الربوبية . { وَأُمُّهُ } مريم { صِدِّيقَةٌ } أي : هذا أيضاً غايتها ، أن كانت من الصديقين الذين هم أعلى الخلق رتبة بعد الأنبياء . والصديقية ، هي العلم النافع المثمر لليقين ، والعمل الصالح . وهذا دليل على أن مريم لم تكن نبية ، بل أعلى أحوالها الصديقية ، وكفى بذلك فضلاً وشرفاً . وكذلك سائر النساء لم يكن منهن نبية ، لأن الله تعالى جعل النبوة في أكمل الصنفين ، في الرجال كما قال تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } [ يوسف : 109 ] فإذا كان عيسى عليه السلام من جنس الأنبياء والرسل من قبله ، وأُمه صديقة ، فلأي شيء اتخذهما النصارى إلهين مع الله ؟ وقوله : { كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ } دليل ظاهر على أنهما عبدان فقيران ، محتاجان كما يحتاج بنو آدم إلى الطعام والشراب ، فلو كانا إلهين لاستغنيا عن الطعام والشراب ، ولم يحتاجا إلى شيء ، فإن الإله هو الغني الحميد . ولما بيّن تعالى البرهان قال : { ٱنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلآيَاتِ } الموضحة للحق ، الكاشفة لليقين ، ومع هذا لا تفيد فيهم شيئاً ، بل لا يزالون على إفكهم وكذبهم وافترائهم ، وذلك ظلم وعناد منهم .