Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 77-81)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ } أي : لا تتجاوزوا وتتعدوا الحق إلى الباطل ، وذلك كقولهم في المسيح ، ما تقدم حكايته عنهم . وكغلوهم في بعض المشايخ ، اتباعاً لـ { أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ } أي : تقدم ضلالهم . { وَأَضَلُّواْ كَثِيراً } من الناس بدعوتهم إياهم إلى الدين ، الذي هم عليه . { وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } أي : قصد الطريق ، فجمعوا بين الضلال والإضلال ، وهؤلاء هم أئمة الضلال الذين حذّر الله عنهم وعن اتباع أهوائهم المردية ، وآرائهم المضلة ، ثم قال تعالى : { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أي : طردوا وأبعدوا عن رحمة الله { عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } أي : بشهادتهما وإقرارهما ، بأن الحجة قد قامت عليهم ، وعاندوها . { ذٰلِكَ } الكفر واللعن { بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } أي : بعصيانهم لله ، وظلمهم لعباد الله ، صار سبباً لكفرهم وبعدهم عن رحمة الله ، فإن للذنوب والظلم عقوبات . ومن معاصيهم التي أحلت بهم المثلات ، وأوقعت بهم العقوبات أنهم : { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } أي : كانوا يفعلون المنكر ، ولا ينهى بعضهم بعضاً ، فيشترك بذلك المباشر وغيره ، الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك . وذلك يدل على تهاونهم بأمر الله ، وأن معصيته خفيفة عليهم ، فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه ، ولغضبوا لغضبه ، وإنما كان السكوت عن المنكر - مع القدرة - موجباً للعقوبة ، لما فيه من المفاسد العظيمة : منها : أن مجرد السكوت ، فعل معصية ، وإن لم يباشرها الساكت . فإنه - كما يجب اجتناب المعصية - فإنه يجب الإنكار على مَنْ فعل المعصية . ومنها : ما تقدم أنه يدل على التهاون بالمعاصي ، وقلة الاكتراث بها . ومنها : أن ذلك يجرئ العصاة والفسقة على الإكثار من المعاصي إذا لم يردعوا عنها ، فيزداد الشر ، وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية ، ويكون لهم الشوكة والظهور ، ثم بعد ذلك يضعف أهل الخير عن مقاومة أهل الشر ، حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه أولاً . ومنها : أن - في ترك الإنكار للمنكر - يندرس العلم ، ويكثر الجهل ، فإن المعصية - مع تكررها وصدورها من كثير من الأشخاص ، وعدم إنكار أهل الدين والعلم لها - يظن أنها ليست بمعصية ، وربما ظن الجاهل أنها عبادة مستحسنة ، وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرَّم الله ، حلالاً ؟ وانقلاب الحقائق على النفوس ورؤية الباطل حقاً ؟ ! ! ومنها : أن السكوت على معصية العاصين ، ربما تزينت المعصية في صدور الناس ، واقتدى بعضهم ببعض ، فالإنسان مولع بالاقتداء بأضرابه وبني جنسه ، ومنها ومنها . فلما كان السكوت عن الإنكار بهذه المثابة ، نص الله تعالى أن بني إسرائيل الكفار منهم لعنهم بمعاصيهم واعتدائهم ، وخص من ذلك هذا المنكر العظيم . { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالمحبة والموالاة والنصرة . { لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ } هذه البضاعةَ الكاسدة ، والصفقةَ الخاسرة ، وهي سخط الله الذي يسخط لسخطه كل شيء ، والخلود الدائم في العذاب العظيم ، فقد ظلمتهم أنفسهم حيث قدمت لهم هذا النزل غير الكريم ، وقد ظلموا أنفسهم إذ فوتوها النعيم المقيم . { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ } فإن الإيمان بالله وبالنبي وما أنزل إليه ، يوجب على العبد موالاة ربه ، وموالاة أوليائه ، ومعاداة من كفر به وعاداه ، وأوضع في معاصيه ، فشرط ولايةِ الله والإيمانِ به ، أن لا يتخذ أعداء الله أولياء ، وهؤلاء لم يوجد منهم الشرط ، فدل على انتفاء المشروط . { وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } أي : خارجون عن طاعة الله والإيمان به وبالنبي . ومن فسقهم موالاةُ أعداء الله .