Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 1-16)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقسم تعالى بهذه الأمور العظيمة ، المشتملة على الحكم الجليلة ، على البعث والجزاء للمتقين والمكذبين ، فأقسم بالطور الذي هو الجبل الذي كلم الله عليه نبيه موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام ، وأوحى إليه ما أوحى من الأحكام ، وفي ذلك من المنّة عليه وعلى أمته ، ما هو من آيات الله العظيمة ، ونعمه التي لا يقدر العباد لها على عدٍّ ولا ثمن . { وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } يحتمل أن المراد به اللوح المحفوظ ، الذي كتب الله به كل شيء ، ويحتمل أن المراد به القرآن الكريم ، الذي هو أفضل كتاب ، أنزله الله محتوياً على نبأ الأولين والآخرين ، وعلوم السابقين واللاحقين . وقوله : { فِي رَقٍّ } أي : ورقٍّ { مَّنْشُورٍ } أي : مكتوب مسطر ، ظاهر غير خفي ، لا تخفى حاله على كل عاقل بصير . { وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } وهو البيت الذي فوق السماء السابعة ، المعمور مدى الأوقات بالملائكة الكرام ، الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك [ يتعبدون فيه لربهم ثم ] ، لا يعودون إليه إلى يوم القيامة وقيل : إن البيت المعمور هو بيت الله الحرام ، المعمور بالطائفين والمصلين والذاكرين كل وقت ، وبالوفود إليه بالحج والعمرة . كما أقسم الله به في قوله : { وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ } [ التين : 3 ] وحقيق ببيت أفضل بيوت الأرض ، الذي قصده بالحج والعمرة ، أحد أركان الإسلام ، ومبانيه العظام ، التي لا يتم إلا بها ، وهو الذي بناه إبراهيم وإسماعيل ، وجعله الله مثابة للناس وأمناً ، أن يقسم الله به ، ويبين من عظمته ما هو اللائق به وبحرمته . { وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ } أي : السماء ، التي جعلها الله سقفاً للمخلوقات ، وبناء للأرض ، تستمد منها أنوارها ، ويقتدى بعلاماتها ومنارها ، وينزل الله منها المطر والرحمة وأنواع الرزق . { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } أي : المملوء ماء ، قد سجره الله ، ومنعه من أن يفيض على وجه الأرض ، مع أن مقتضى الطبيعة ، أن يغمر وجه الأرض ، ولكن حكمته اقتضت أن يمنعه عن الجريان والفيضان ، ليعيش من على وجه الأرض ، من أنواع الحيوان وقيل : إن المراد بالمسجور ، الموقد الذي يوقد [ ناراً ] يوم القيامة ، فيصير ناراً تلظى ، ممتلئاً على عظمته وسعته من أصناف العذاب . هذه الأشياء التي أقسم الله بها ، مما يدل على أنها من آيات الله وأدلة توحيده ، وبراهين قدرته ، وبعثه الأموات ، ولهذا قال : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } أي : لا بد أن يقع ، ولا يخلف الله وعده وقيله . { مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } يدفعه ، ولا مانع يمنعه ، لأن قدرة الله تعالى لا يغالبها مغالب ، ولا يفوتها هارب ، ثم ذكر وصف ذلك اليوم ، الذي يقع فيه العذاب ، فقال : { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً } أي : تدور السماء وتضطرب ، وتدوم حركتها بانزعاج وعدم سكون ، { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } أي : تزول عن أماكنها ، وتسير كسير السحاب ، وتتلون كالعهن المنفوش ، وتبث بعد ذلك [ حتى تصير ] مثل الهباء ، وذلك كله لعظم هول يوم القيامة ، وفظاعة ما فيه من الأمور المزعجة ، والزلازل المقلقة ، التي أزعجت هذه الأجرام العظيمة ، فكيف بالآدمي الضعيف ! ؟ { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } والويل : كلمة جامعة لكل عقوبة وحزن وعذاب وخوف ، ثم ذكر وصف المكذبين الذين استحقوا به الويل ، فقال : { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } أي : خوض في الباطل ولعب به . فعلومهم وبحوثهم بالعلوم الضارة المتضمنة للتكذيب بالحق ، والتصديق بالباطل ، وأعمالهم أعمال أهل الجهل والسفه واللعب ، بخلاف ما عليه أهل التصديق والإيمان من العلوم النافعة ، والأعمال الصالحة . { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } أي : يوم يدفعون إليها دفعاً ، ويساقون إليها سوقاً عنيفاً ، ويجرون على وجوههم ، ويقال لهم توبيخاً ولوماً : { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } فاليوم ذوقوا عذاب الخلد الذي لا يبلغ قدره ، ولا يوصف أمره . { أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ } يحتمل أن الإشارة إلى النار والعذاب ، كما يدل عليه سياق الآية أي : لما رأوا النار والعذاب قيل لهم من باب التقريع : " أهذا سحر لا حقيقة له ، فقد رأيتموه ، أم أنتم في الدنيا لا تبصرون " أي : لا بصيرة لكم ولا علم عندكم ، بل كنتم جاهلين بهذا الأمر ، لم تقم عليكم الحجة ؟ والجواب انتفاء الأمرين : أما كونه سحراً ، فقد ظهر لهم أنه أحق الحق ، وأصدق الصدق ، المخالف للسحر من جميع الوجوه ، وأما كونهم لا يبصرون ، فإن الأمر بخلاف ذلك ، بل حجة الله قد قامت عليهم ، ودعتهم الرسل إلى الإيمان بذلك ، وأقامت من الأدلة والبراهين على ذلك ، ما يجعله من أعظم الأمور المبرهنة الواضحة الجليَّة . ويحتمل أن الإشارة [ بقوله : { أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ } ] إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الحق المبين ، والصراط المستقيم أي : هذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم سحرٌ أم عدم بصيرة بكم ، حتى اشتبه عليكم الأمر ، وحقيقة الأمر أنه أوضح من كل شيء وأحق الحق ، وأن حجة الله قامت عليهم . { ٱصْلَوْهَا } أي : ادخلوا النار على وجه تحيط بكم ، وتستوعب جميع أبدانكم ، وتطلع على أفئدتكم . { فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ } أي : لا يفيدكم الصبر على النار شيئاً ، ولا يتأسى بعضكم ببعض ، ولا يخفف عنكم العذاب ، وليست من الأمور التي إذا صبر العبد عليها هانت مشقتها وزالت شدتها . وإنما فعل بهم ذلك ، بسبب أعمالهم الخبيثة وكسبهم ، [ ولهذا قال ] { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .