Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 1-18)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقسم تعالى بالنجم عند هُوِيِّه أي : سقوطه في الأفق في آخر الليل عند إدبار الليل وإقبال النهار ، لأن في ذلك من آيات الله العظيمة ، ما أوجب أن أقسم به ، والصحيح أن النجم ، اسم جنس شامل للنجوم كلها ، وأقسم بالنجوم على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي الإلهي ، لأنّ في ذلك مناسبة عجيبة ، فإن الله تعالى جعل النجوم زينة للسماء ، فكذلك الوحي وآثاره زينة للأرض ، فلولا العلم الموروث عن الأنبياء ، لكان الناس في ظلمة أشد من الليل البهيم . والمقسم عليه ، تنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الضلال في علمه ، والغيِّ في قصده ، ويلزم من ذلك أن يكون مهتدياً في علمه ، هادياً ، حسن القصد ، ناصحاً للأمة ، بعكس ما عليه أهل الضلال من فساد العلم ، وفساد القصد ، وقال { صَاحِبُكُمْ } لينبههم على ما يعرفونه منه ، من الصدق والهداية ، وأنه لا يخفى عليهم أمره ، { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } أي : ليس نطقه صادراً عن هوى نفسه ، { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } أي : لا يتبع إلا ما أوحى الله إليه من الهدى والتقوى ، في نفسه وفي غيره . ودلّ هذا على أن السنة وحي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى : { وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } [ النساء : 113 ] وأنه معصوم فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه ، لأن كلامه لا يصدر عن هوى ، وإنما يصدر عن وحي يوحى ، ثم ذكر المعلم للرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو جبريل [ عليه السلام ] ، أفضل الملائكة [ الكرام ] وأقواهم وأكملهم ، فقال : { عَلَّمَهُ [ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ ] } أي : نزل بالوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام ، { شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } أي : شديد القوة الظاهرة والباطنة ، قوي على تنفيذ ما أمره الله بتنفيذه ، قوي على إيصال الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومنعه من اختلاس الشياطين له ، أو إدخالهم فيه ما ليس منه ، وهذا من حفظ الله لوحيه ، أن أرسله مع هذا الرسول القوي الأمين . { ذُو مِرَّةٍ } أي : قوة ، وخلق حسن ، وجمال ظاهر وباطن . { فَٱسْتَوَىٰ } جبريل عليه السلام { وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } أي : أفق السماء الذي هو أعلى من الأرض ، فهو من الأرواح العلوية ، التي لا تنالها الشياطين ولا يتمكنون من الوصول إليها . { ثُمَّ دَنَا } جبريل من النبي صلى الله عليه وسلم ، لإيصال الوحي إليه . { فَتَدَلَّىٰ } عليه من الأفق الأعلى { فَكَانَ } في قربه منه { قَابَ قَوْسَيْنِ } أي : قدر قوسين ، والقوس معروف ، { أَوْ أَدْنَىٰ } أي : أقرب من القوسين ، وهذا يدل على كمال المباشرة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، وأنه لا واسطة بينه وبين جبريل عليه السلام . { فَأَوْحَىٰ } الله بواسطة جبريل عليه السلام { إِلَىٰ عَبْدِهِ } محمد صلى الله عليه وسلم { مَآ أَوْحَىٰ } أي : الذي أوحاه إليه من الشرع العظيم ، والنبأ المستقيم . { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } أي : اتفق فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم ورؤيته على الوحي الذي أوحاه الله إليه ، وتواطأ عليه سمعه وقلبه وبصره ، وهذا دليل على كمال الوحي الذي أوحاه الله إليه ، وأنه تلقاه منه تلقياً لا شك فيه ولا شبهة ولا ريب ، فلم يكذب فؤاده ما رأى بصره ، ولم يشك بذلك . ويحتمل أن المراد بذلك ما رأى صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، من آيات الله العظيمة ، وأنه تيقنه حقاً بقلبه ورؤيته ، هذا [ هو ] الصحيح في تأويل الآية الكريمة ، وقيل : إن المراد بذلك رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء ، وتكليمه إياه ، وهذا اختيار كثير من العلماء رحمهم الله ، فأثبتوا بهذا رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا ، ولكن الصحيح القول الأول ، وأن المراد به جبريل عليه السلام ، كما يدل عليه السياق ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته الأصلية [ التي هو عليها ] مرتين ، مرة في الأفق الأعلى ، تحت السماء الدنيا كما تقدم ، والمرة الثانية فوق السماء السابعة ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } أي : رأى محمد جبريل مرة أخرى ، نازلاً إليه . { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } وهي شجرة عظيمة جداً ، فوق السماء السابعة ، سميت سدرة المنتهى ، لأنه ينتهي إليها ما يعرج من الأرض ، وينزل إليها ما ينزل من الله ، من الوحي وغيره ، أو لانتهاء علم الخلق إليها أي : لكونها فوق السماوات والأرض ، فهي المنتهى في علوها ، أو لغير ذلك ، والله أعلم . فرأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل في ذلك المكان ، الذي هو محل الأرواح العلوية الزاكية الجميلة ، التي لا يقربها شيطان ولا غيره من الأرواح الخبيثة . عند تلك الشجرة { جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } أي : الجنة الجامعة لكل نعيم ، بحيث كانت محلاً تنتهي إليه الأماني ، وترغب فيه الإرادات ، وتأوي إليها الرغبات ، وهذا دليل على أن الجنة في أعلى الأماكن ، وفوق السماء السابعة . { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } أي : يغشاها من أمر الله ، شيء عظيم لا يعلم وصفه إلا الله عز وجل . { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } أي : ما زاغ يمنة ولا يسرة عن مقصوده { وَمَا طَغَىٰ } أي : وما تجاوز البصر ، وهذا كمال الأدب منه صلوات الله وسلامه عليه ، أن قام مقاماً أقامه الله فيه ، ولم يقصر عنه ولا تجاوزه ولا حاد عنه ، وهذا أكمل ما يكون من الأدب العظيم ، الذي فاق فيه الأولين والآخرين ، فإن الإخلال يكون بأحد هذه الأمور : إما أن لا يقوم العبد بما أمر به ، أو يقوم به على وجه التفريط ، أو على وجه الإفراط ، أو على وجه الحيدة يميناً وشمالاً ، وهذه الأمور كلها منتفية عنه صلى الله عليه وسلم . { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } من الجنة والنار ، وغير ذلك من الأمور التي رآها صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به .