Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 41-55)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : { وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ } أي : فرعون وقومه { ٱلنُّذُرُ } فأرسل الله إليهم موسى الكليم ، وأيده بالآيات الباهرات ، والمعجزات القاهرات ، وأشهدهم من العبر ما لم يشهد عليه أحداً غيرهم ، فكذبوا بآيات الله كلها ، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، فأغرقهم في اليم هو وجنوده . والمراد من ذكر هذه القصص تحذير [ الناس و ] المكذبين لمحمد صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال : { أَكُفَّٰرُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَٰئِكُمْ } أي : هؤلاء الذين كذبوا أفضل الرسل ، خير من أولئك المكذبين ، الذين ذكر الله هلاكهم وما جرى عليهم ؟ فإن كانوا خيراً منهم ، أمكن أن ينجوا من العذاب ، ولم يصبهم ما أصاب أولئك الأشرار ، وليس الأمر كذلك ، فإنهم إن لم يكونوا شراً منهم ، فليسوا بخير منهم ، { أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي ٱلزُّبُرِ } أي : أم أعطاكم الله عهداً وميثاقاً في الكتب التي أنزلها على الأنبياء ، فتعتقدون حينئذ أنكم الناجون بإخبار الله ووعده ؟ وهذا غير واقع ، بل غير ممكن عقلاً وشرعاً ، أن تكتب براءتهم في الكتب الإلهية المتضمنة للعدل والحكمة ، فليس من الحكمة نجاة أمثال هؤلاء المعاندين المكذبين ، لأفضل الرسل وأكرمهم على الله ، فلم يبق إلا أن يكون بهم قوة ينتصرون بها ، فأخبر تعالى أنهم يقولون : { نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } قال تعالى مبيناً لضعفهم ، وأنهم مهزومون : { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } فوقع كما أخبر ، هزم الله جمعهم الأكبر يوم بدر ، وقتل من صناديدهم وكبرائهم ما ذلوا به ، ونصر الله دينه ونبيه وحزبه المؤمنين . ومع ذلك ، فلهم موعد يجمع به أولهم وآخرهم ، ومن أصيب في الدنيا منهم ، ومن متع بلذاته ، ولهذا قال : { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } الذي يحازون به ، ويؤخذ منهم الحق بالقسط ، { وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } أي : أعظم وأشق ، وأكبر من كل ما يتوهم ، أو يدور بالبال . { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي : الذين أكثروا من فعل الجرائم ، وهي الذنوب العظيمة من الشرك وغيره ، من المعاصي { فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } أي : هم ضالون في الدنيا ، ضُلاَّلٌ عن العلم ، وضلال عن العمل ، الذي ينجيهم من العذاب ، ويوم القيامة في العذاب الأليم ، والنار التي تتسعر بهم ، وتشتعل في أجسامهم ، حتى تبلغ أفئدتهم . { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } التي هي أشرف ما بهم من الأعضاء ، وألمها أشد من ألم غيرها ، فيهانون بذلك ويخزون ، ويقال لهم : { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } أي : ذوقوا ألم النار وأسفها وغيظها ولهبها . { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } وهذا شامل للمخلوقات والعوالم العلوية والسفلية ، أن الله تعالى وحده خلقها لا خالق لها سواه ، ولا مشارك له في خلقها ، وخلقها بقضاء سبق به علمه ، وجرى به قلمه ، بوقتها ومقدارها ، وجميع ما اشتملت عليه من الأوصاف ، وذلك على الله يسير ، فلهذا قال : { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } فإذا أراد شيئاً قال له كن فيكون كما أراد ، كلمح البصر ، من غير ممانعة ولا صعوبة . { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ } من الأمم السابقين الذين عملوا كما عملتم ، وكذبوا كما كذبتم { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } أي : متذكر يعلم أن سنة الله في الأولين والآخرين واحدة ، وأن حكمته كما اقتضت إهلاك أولئك الأشرار ، فإن هؤلاء مثلهم ، ولا فرق بين الفريقين . { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ } أي : كل ما فعلوه من خير وشر مكتوب عليهم في الكتب القدرية { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } أي : مسطر مكتوب ، وهذا حقيقة القضاء والقدر ، وأن جميع الأشياء كلها ، قد علمها الله تعالى ، وسطرها عنده في اللوح المحفوظ ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه . { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } لله ، بفعل أوامره وترك نواهيه ، الذين اتقوا الشرك والكبائر والصغائر . { فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } أي : في جنات النعيم ، التي فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، من الأشجار اليانعة ، والأنهار الجارية ، والقصور الرفيعة ، والمنازل الأنيقة ، والمآكل والمشارب اللذيذة ، والحور الحسان ، والروضات البهية في الجنان ، ورضوان الملك الديان ، والفوز بقربه ، ولهذا قال : { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } فلا تسأل بعد هذا عما يعطيهم ربهم من كرامته وجوده ، ويمدهم به من إحسانه ومنته ، جعلنا الله منهم ، ولا حرمنا خير ما عنده بشر ما عندنا .