Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 1-4)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

نزلت هذه الآيات الكريمات في رجل من الأنصار اشتكته زوجته [ إلى الله ، وجادلته ] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرمها على نفسه ، بعد الصحبة الطويلة ، والأولاد ، وكان هو رجلاً شيخاً كبيراً ، فشكت حالها وحاله إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكررت ذلك ، وأبدت فيه وأعادت . فقال تعالى : { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ } أي : تخاطبكما فيما بينكما ، { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } لجميع الأصوات ، في جميع الأوقات ، على تفنن الحاجات . { بَصِيرٌ } يبصر دبيب النملة السوداء ، على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، وهذا إخبار عن كمال سمعه وبصره ، وإحاطتهما بالأمور الدقيقة والجليلة ، وفي ضمن ذلك الإشارة بأن الله [ تعالى ] سيزيل شكواها ، ويرفع بلواها ، ولهذا ذكر حكمها ، وحكم غيرها على وجه العموم ، فقال : { ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ } . المظاهرة من الزوجة : أن يقول الرجل لزوجته : " أنت عليَّ كظهر أمي " ، أو غيرها من محارمه ، أو " أنت عليَّ حرام " ، وكان المعتاد عندهم في هذا لفظ " الظهر " ولهذا سماه الله " ظهاراً " فقال : { ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } أي : كيف يتكلمون بهذا الكلام الذي يعلم أنه لا حقيقة له ، فيشبهون أزواجهم بأمهاتهم اللاتي ولدنَهم ؟ ولهذا عظم الله أمره وقبحه ، فقال : { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً } أي : قولاً شنيعاً ، { وَزُوراً } أي : كذباً . { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } عمن صدر منه بعض المخالفات ، فتداركها بالتوبة النصوح . { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } اختلف العلماء في معنى العود ، فقيل : معناه العزم على جماع من ظاهر منها ، وأنه بمجرد عزمه تجب عليه الكفارة المذكورة ، ويدلّ على هذا أن الله تعالى ذكر في الكفارة أنها تكون قبل المسيس ، وذلك إنما يكون بمجرد العزم ، وقيل : معناه حقيقة الوطء ، ويدلّ على ذلك أن الله قال : { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } والذي قالوا إنما هو الوطء . وعلى كل من القولين { فـَ } إذا وجد العود ، صار كفارة هذا التحريم { تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } مُؤْمِنَةٍ كما قيدت في آية أخر ، ذكر أو أنثى ، بشرط أن تكون سالمة من العيوب المضرة بالعمل . { مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } أي : يلزم الزوج أن يترك وطء زوجته التي ظاهر منها حتى يكفر برقبة . { ذَلِكُمْ } الحكم الذي ذكرناه لكم ، { تُوعَظُونَ بِهِ } أي : يبين لكم حكمه مع الترهيب المقرون به ، لأن معنى الوعظ ذكر الحكم مع الترغيب والترهيب ، فالذي يريد أن يظاهر ، إذا ذكر أنه يجب عليه عتق رقبة كف نفسه عنه ، { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فيجازي كل عامل بعمله . { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } رقبة يعتقها ، بأن لم يجدها أو [ لم ] يجد ثمنها { فـَ } عليه { صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ } الصيام { فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً } إما بأن يطعمهم من قوت بلده ما يكفيهم ، كما هو قول كثير من المفسرين ، وإما بأن يطعم كل مسكين مُدَّ بُرٍّ أو نصف صاع من غيره مما يجزي في الفطرة ، كما هو قول طائفة أخرى . ذلك الحكم الذي بيّناه لكم ، ووضحناه لكم { لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } وذلك بالتزام هذا الحكم وغيره من الأحكام والعمل به ، فإن التزام أحكام الله والعمل بها من الإيمان ، [ بل هي المقصودة ] ومما يزيد به الإيمان ويكمل وينمو . { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } التي تمنع من الوقوع فيها ، فيجب أن لا تتعدى ولا يقصر عنها . { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . وفي هذه الآيات عدة أحكام : منها : لطف الله بعباده واعتناؤه بهم ، حيث ذكر شكوى هذه المرأة المصابة ، وأزالها ورفع عنها البلوى ، بل رفع البلوى بحكمه العام لكل من ابتلي بمثل هذه القضية . ومنها : أن الظهار مختص بتحريم الزوجة ، لأن الله قال : { مِن نِّسَآئِهِمْ } فلو حرم أمته ، لم يكن [ ذلك ] ظهاراً ، بل هو من جنس تحريم الطعام والشراب ، تجب فيه كفارة اليمين فقط . ومنها : أنه لا يصح الظهار من امرأة قبل أن يتزوجها ، لأنها لا تدخل في نسائه وقت الظهار ، كما لا يصح طلاقها ، سواء نجز ذلك أو علَّقه . ومنها : أن الظهار محرّم ، لأن الله سماه منكراً [ من القول ] وزوراً . ومنها : تنبيه الله على وجه الحكم وحكمته ، لأن الله تعالى قال : { مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } . ومنها : أنه يكره للرجل أن ينادي زوجته ويسميها باسم محارمه ، كقوله " يا أمي " ، " يا أختي " ونحوه ، لأن ذلك يشبه المحرم . ومنها : أن الكفارة إنما تجب بالعود لما قال المظاهر ، على اختلاف القولين السابقين ، لا بمجرد الظهار . ومنها : أنه يجزئ في كفارة الرقبة ، الصغير والكبير ، والذكر والأنثى ، لإطلاق الآية في ذلك . ومنها : أنه يجب إخراجها إن كانت عتقاً أو صياماً قبل المسيس ، كما قيده الله ، بخلاف كفارة الإطعام ، فإنه يجوز المسيس والوطء في أثنائها . ومنها : أنه لعل الحكمة في وجوب الكفارة قبل المسيس ، أن ذلك أدعى لإخراجها ، فإنه إذا اشتاق إلى الجماع ، وعلم أنه لا يمكن من ذلك إلا بعد الكفارة ، بادر لإخراجها . ومنها : أنه لا بدّ من إطعام ستين مسكيناً ، فلو جمع طعام ستين مسكيناً ، ودفعها لواحد أو أكثر من ذلك ، دون الستين لم يجز ذلك ، لأن الله قال : { فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً } .