Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 100-104)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى : أنه مع إحسانه لعباده وتعرفه إليهم بآياته البينات ، وحججه الواضحات - أن المشركين به من قريش وغيرهم ، جعلوا له شركاء يدعونهم ويعبدونهم من الجن والملائكة ، الذين هم خلق من خلق الله ، ليس فيهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء ، فجعلوها شركاء لمن له الخلق والأمر ، وهو المنعم بسائر أصناف النِّعَمْ ، الدافع لجميع النقم ، وكذلك " خرق المشركون " أي : ائتفكوا ، وافتروا من تلقاء أنفسهم لله ، بنين وبنات بغير علم منهم ، ومن أظلم ممن قال على الله بلا علم ، وافترى عليه أشنع النقص ، الذي يجب تنزيه الله عنه ؟ ! ! . ولهذا نزه نفسه عمّا افتراه عليه المشركون ، فقال : { سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ } فإنه تعالى الموصوف بكل كمال ، المنزه عن كل نقص ، وآفة وعيب . { بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : خالقهما ، ومتقن صنعتهما ، على غير مثال سبق ، بأحسن خلق ، ونظام وبهاء ، لا تقترح عقول أولي الألباب مثله ، وليس له في خلقهما مشارك . { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ } أي : كيف يكون لله الولد ، وهو الإله السيد الصمد ، الذي لا صاحبة له ، أي : لا زوجة له ، وهو الغني عن مخلوقاته ، وكلها فقيرة إليه ، مضطرة في جميع أحوالها إليه ، والولد لا بد أن يكون من جنس والده ، والله خالق كل شيء وليس شيء من المخلوقات مشابهاً لله بوجه من الوجوه . ولما ذكر عموم خلقه للأشياء ، ذكر إحاطة علمه بها فقال : { وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وفي ذكر العلم بعد الخلق ، إشارة إلى الدليل العقلي إلى ثبوت علمه ، وهو هذه المخلوقات ، وما اشتملت عليه من النظام التام ، والخلق الباهر فإن في ذلك دلالة على سعة علم الخالق ، وكمال حكمته ، كما قال تعالى : { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [ الملك : 14 ] وكما قال تعالى : { وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } [ يس : 81 ] ذلكم الذي خلق ما خلق ، وقدر ما قدر . { ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } أي : المألوه المعبود ، الذي يستحق نهاية الذل ، ونهاية الحب ، الرب الذي ربى جميع الخلق بالنِّعَمْ ، وصرف عنهم صنوف النقم . { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ } أي : إذا استقر وثبت أنه الله الذي لا إله إلاّ هو ، فاصرفوا له جميع أنواع العبادة ، وأخلصوها لله ، واقصدوا بها وجهه . فإن هذا هو المقصود من الخلق الذي خلقوا لأجله { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] . { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } أي : جميع الأشياء ، تحت وكالة الله وتدبيره ، خلقاً وتدبيراً وتصريفاً . ومن المعلوم ، أن الأمر المتصرف فيه يكون استقامته وتمامه ، وكمال انتظامه ، بحسب حال الوكيل عليه . ووكالته تعالى على الأشياء ليست من جنس وكالة الخلق ، فإن وكالتهم وكالة نيابة ، والوكيل فيها تابع لموكله . وأما الباري تبارك وتعالى ، فوكالته من نفسه لنفسه ، متضمنة لكمال العلم ، وحسن التدبير والإحسان فيه والعدل ، فلا يمكن لأحد ، أن يستدرك على الله ، ولا يرى في خلقه خللاً ولا فطوراً ، ولا في تدبيره نقصاً وعيباً . ومن وكالته أنه تعالى ، توكل ببيان دينه ، وحفظه عن المزيلات والمغيرات ، وأنه تولى حفظ المؤمنين وعصمتهم عمّا يزيل إيمانهم ودينهم . { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ } لعظمته وجلاله وكماله ، أي : لا تحيط به الأبصار ، وإن كانت تراه وتفرح بالنظر إلى وجهه الكريم ، فنفي الإدراك لا ينفي الرؤية ، بل يثبتها بالمفهوم . فإنه إذا نفى الإدراك الذي هو أخص أوصاف الرؤية ، دلّ على أن الرؤية ثابتة . فإنه لو أراد نفي الرؤية ، لقال " لا تراه الأبصار " ونحو ذلك ، فعلم أنه ليس في الآية حجة لمذهب المعطلة ، الذين ينفون رؤية ربهم في الآخرة ، بل فيها ما يدل على نقيض قولهم . { وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ } أي : هو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن ، وسمعه بجميع الأصوات الظاهرة والخفية ، وبصره ، بجميع المبصرات ، صغارها وكبارها ، ولهذا قال : { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } الذي لطف علمه وخبرته ، ودق حتى أدرك السرائر والخفايا ، والخبايا والبواطن . ومن لطفه أنه يسوق عبده إلى مصالح دينه ، ويوصلها إليه بالطرق التي لا يشعر بها العبد ، ولا يسعى فيها ، ويوصله إلى السعادة الأبدية ، والفلاح السرمدي ، من حيث لا يحتسب ، حتى أنه يقدر عليه الأمور التي يكرهها العبد ويتألم منها ، ويدعو الله أن يزيلها ، لعلمه أن دينه أصلح ، وأن كماله متوقف عليها ، فسبحان اللطيف لما يشاء ، الرحيم بالمؤمنين . { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } لما بين تعالى من الآيات البينات ، والأدلة الواضحات ، الدالة على الحق في جميع المطالب والمقاصد ، نبه العباد عليها ، وأخبر أن هدايتهم وضدها لأنفسهم ، فقال : { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ } أي : آيات تبين الحق ، وتجعله للقلب بمنزلة الشمس للأبصار ، لما اشتملت عليه من فصاحة اللفظ ، وبيانه ، ووضوحه ، ومطابقته للمعاني الجليلة ، والحقائق الجميلة ، لأنها صادرة من الرب الذي ربى خلقه بصنوف نعمه الظاهرة والباطنة ، التي من أفضلها وأجلّها تبيين الآيات ، وتوضيح المشكلات . { فَمَنْ أَبْصَرَ } بتلك الآيات مواقع العبرة ، وعمل بمقتضاها { فَلِنَفْسِهِ } فإن الله هو الغني الحميد . { وَمَنْ عَمِيَ } بأن بُصِّر فلم يتبصر ، وزُجِر فلم ينزجر ، وبيّن له الحق ، فما انقاد له ولا تواضع ، فإنما عماه مضرته عليه . { وَمَآ أَنَاْ } أيها الرسول { عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } أحفظ أعمالكم وأرقبها على الدوام ، إنما عليَّ البلاغ المبين وقد أديته ، وبلغت ما أنزل الله إليَّ ، فهذه وظيفتي ، وما عدا ذلك فلست موظفاً فيه .