Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 60-62)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا كله ، تقرير لألوهيته ، واحتجاج على المشركين به ، وبيان أنه تعالى المستحق للحب والتعظيم ، والإجلال والإكرام ، فأخبر أنه وحده المتفرد بتدبير عباده ، في يقظتهم ومنامهم ، وأنه يتوفاهم بالليل ، وفاة النوم ، فتهدأ حركاتهم ، وتستريح أبدانهم ، ويبعثهم في اليقظة من نومهم ، ليتصرفوا في مصالحهم الدينية والدنيوية وهو - تعالى - يعلم ما جرحوا وما كسبوا من تلك الأعمال . ثم لا يزال تعالى هكذا يتصرف فيهم ، حتى يستوفوا آجالهم . فيُقضى بهذا التدبير أجل مسمى ، وهو : أجل الحياة ، وأجل آخر فيما بعد ذلك ، وهو البعث بعد الموت ، ولهذا قال : { ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ } لا إلى غيره { ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } من خير وشر . { وَهُوَ } تعالى { الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } ينفذ فيهم إرادته الشاملة ومشيئته العامة ، فليسوا يملكون من الأمر شيئاً ، ولا يتحركون ولا يسكنون إلا بإذنه ، ومع ذلك ، فقد وكل بالعباد حفظةً من الملائكة ، يحفظون العبد ويحفظون عليه ما عمل ، كما قال تعالى : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [ الإنفطار : 10 - 12 ] { عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 17 - 18 ] فهذا حفظه لهم في حال الحياة . { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } أي : الملائكة الموكلون بقبض الأرواح { وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ } في ذلك فلا يزيدون ساعة مما قدره الله وقضاه ولا ينقصون ولا ينفذون من ذلك إلا بحسب المراسيم الإلهية والتقادير الربانية . { ثُمَّ } بعد الموت والحياة البرزخية وما فيها من الخير والشر { رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ } أي : الذي تولاهم بحكمه القدري ، فنفذ فيهم ما شاء من أنواع التدبير ، ثم تولاهم بأمره ونهيه ، وأرسل إليهم الرسل ، وأنزل عليهم الكتب ، ثم ردوا إليه ليتولى الحكم فيهم بالجزاء ، ويثيبهم على ما عملوا من الخيرات ويعاقبهم على الشرور والسيئات ، وَلهذا قال : { أَلا لَهُ الْحُكْمُ } وحده لا شريك له { وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ } لكمال علمه وحفظه لأعمالهم بما أثبته في اللوح المحفوظ ، ثم أثبتته ملائكته في الكتاب الذي بأيديهم ، فإذا كان تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير ، وهو القاهر فوق عباده ، وقد اعتنى بهم كل الاعتناء في جميع أحوالهم ، وهو الذي له الحكم القدري ، والحكم الشرعي ، والحكم الجزائي ، فأين للمشركين العدولُ عن من هذا وصفه ونعته ، إلى عبادة مَنْ ليس له من الأمر شيء ، ولا عنده مثقال ذرة من النفع ، ولا له قدرة وإرادة ؟ ! أما والله لو علموا حلم الله عليهم وعفوه ورحمته بهم ، وهم يبارزونه بالشرك والكفران ، ويتجرؤون على عظمته بالإفك والبهتان ، وهو يعافيهم ويرزقهم ، لانجذبت دواعيهم إلى معرفته ، وذهلت عقولهم في حبه ، ولمقتوا أنفسهم أشد المقت ، حيث انقادوا لداعي الشيطان ، الموجب للخزي والخسران ، ولكنهم قوم لا يعقلون .