Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 64, Ayat: 16-18)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يأمر تعالى بتقواه ، التي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ويقيد ذلك بالاستطاعة والقدرة . فهذه الآية تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد ، أنه يسقط عنه ، وأنه إذا قدر على بعض المأمور وعجز عن بعضه ، فإنه يأتي بما يقدر عليه ، ويسقط عنه ما يعجز عنه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " . ويدخل تحت هذه القاعدة الشرعية من الفروع ، ما لا يدخل تحت الحصر ، وقوله : { وَٱسْمَعُواْ } أي : اسمعوا ما يعظكم الله به ، وما يشرعه لكم من الأحكام ، واعلموا ذلك وانقادوا له ، { وَأَطِيعُواْ } الله ورسوله في جميع أموركم ، { وَأَنْفِقُواْ } من النفقات الشرعية الواجبة والمستحبة ، يكن ذلك الفعل منكم خيراً لكم في الدنيا والآخرة ، فإن الخير كله في امتثال أوامر الله تعالى ، وقبول نصائحه ، والانقياد لشرعه ، والشر كله ، في مخالفة ذلك . ولكن ثمَّ آفة تمنع كثيراً من الناس ، من النفقة المأمور بها ، وهو الشح المجبولة عليه أكثر النفوس ، فإنها تشح بالمال ، وتحب وجوده ، وتكره خروجه من اليد غاية الكراهة . فمن وقاه الله شرّ شح نفسه بأن سمحت نفسه بالإنفاق النافع لها { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } لأنهم أدركوا المطلوب ، ونجوا من المرهوب ، بل لعل ذلك شامل لكل ما أمر به العبد ، ونهي عنه ، فإنه إن كانت نفسه شحيحة ، لا تنقاد لما أمرت به ، ولا تخرج ما قِبلها ، لم يفلح ، بل خسر الدنيا والآخرة ، وإن كانت نفسه نفساً سمحة مطمئنة منشرحة لشرع الله ، طالبة لمرضاة الله ، فإنها ليس بينها وبين فعل ما كلفت به إلا العلم به ، ووصول معرفته إليها ، والبصيرة بأنه مُرضٍ لله تعالى ، وبذلك تفلح وتنجح وتفوز كل الفوز . ثم رغّب تعالى في النفقة ، فقال : { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } وهو كل نفقة كانت من الحلال ، إذا قصد بها العبد وجه الله تعالى وطلب مرضاته ، ووضعها في موضعها { يُضَاعِفْهُ لَكُمْ } النفقة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة . { وَ } مع المضاعفة أيضاً { يَغْفِرْ لَكُمْ } بسبب الإنفاق والصدقة ذنوبكم ، فإن الذنوب يكفرها الله بالصدقات والحسنات : { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } [ هود : 114 ] . { وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } حليم لا يعاجل من عصاه ، بل يمهله ولا يهمله ، { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } [ فاطر : 45 ] . والله تعالى شكور يقبل من عباده اليسير من العمل ، ويجازيهم عليه الكثير من الأجر ، ويشكر تعالى لمن تحمل من أجله المشاق والأثقال ، وناء بالتكاليف الثقال ، ومن ترك شيئاً لله ، عوضه الله خيراً منه . { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } أي : ما غاب عن العباد من الجنود التي لا يعلمها إلا هو ، وما يشاهدونه من المخلوقات ، { ٱلْعَزِيزُ } الذي لا يغالب ولا يمانع ، الذي قهر كل الأشياء ، { ٱلْحَكِيمُ } في خلقه وأمره ، الذي يضع الأشياء مواضعها .