Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 66, Ayat: 1-5)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا عتاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، حين حرم على نفسه سريته " مارية " أو شُرب العسل ، مراعاة لخاطر بعض زوجاته ، في قصة معروفة ، فأنزل الله [ تعالى ] هذه الآيات { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } أي : يا أيها الذي أنعم الله عليه بالنبوة والوحي والرسالة { لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } من الطيبات التي أنعم الله بها عليك وعلى أمتك . { تَبْتَغِي } بذلك التحريم { مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } هذا تصريح بأن الله قد غفر لرسوله ، ورفع عنه اللوم ، ورحمه ، وصار ذلك التحريم الصادر منه سبباً لشرع حكم عام لجميع الأمة ، فقال تعالى حاكماً حكماً عاماً في جميع الأيمان : { قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } أي : قد شرع لكم ، وقدر ما به تنحل أيمانكم قبل الحنث ، وما به الكفارة بعد الحنث ، وذلك كما في قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ } [ المائدة : 87 ] إلى أن قال : { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } [ المائدة : 89 ] . فكل من حرّم حلالاً عليه ، من طعام أو شراب أو سرية ، أو حلف يميناً بالله ، على فعل أو ترك ، ثم حنث أو أراد الحنث ، فعليه هذه الكفارة المذكورة ، وقوله : { وَٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ } أي : متولي أموركم ، ومربيكم أحسن تربية ، في أمور دينكم ودنياكم ، وما به يندفع عنكم الشر ، فلذلك فرض لكم تحلة أيمانكم ، لتبرأ ذممكم ، { وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } الذي أحاط علمه بظواهركم وبواطنكم ، وهو الحكيم في جميع ما خلقه وحكم به ، فلذلك شرع لكم من الأحكام ، ما يعلم أنه موافق لمصالحكم ، ومناسب لأحوالكم . [ وقوله : ] { وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً } قال كثير من المفسرين : هي حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها ، أسرَّ لها النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً ، وأمر أن لا تخبر به أحداً ، فحدثت به عائشة رضي الله عنهما ، وأخبره الله بذلك الخبر الذي أذاعته ، فعرَّفها صلى الله عليه وسلم ببعض ما قالت ، وأعرض عن بعضه ، كرماً منه صلى الله عليه وسلم وحلماً ، فـ { قَالَتْ } له : { مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا } الخبر الذي لم يخرج منّا ؟ { قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ } الذي لا تخفى عليه خافية ، يعلم السر وأخفى ، [ وقوله : ] { إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } الخطاب للزوجتين الكريمتين من أزواجه صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة رضي الله عنهما ، كانتا سبباً لتحريم النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه ما يحبه ، فعرض الله عليهما التوبة ، وعاتبهما على ذلك ، وأخبرهما أن قلوبهما قد صغت أي : مالت وانحرفت عما ينبغي لهن ، من الورع والأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم واحترامه ، وأن لا يشققن عليه ، { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } أي : تعاونا على ما يشق عليه ، ويستمر هذا الأمر منكن ، { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } أي : الجميع أعوان للرسول ، مظاهرون ، ومن كان هؤلاء أعوانه ، فهو المنصور ، وغيره ممن يناوئه مخذول ، وفي هذا أكبر فضيلة وشرف لسيد المرسلين ، حيث جعل الباري نفسه [ الكريمة ] ، وخواص خلقه ، أعواناً لهذا الرسول الكريم . وهذا فيه من التحذير للزوجتين الكريمتين ما لا يخفى ، ثم خوفهما أيضاً بحالة تشق على النساء غاية المشقة ، وهو الطلاق ، الذي هو أكبر شيء عليهن ، فقال : { عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ } أي : فلا ترفعن عليه ، فإنه لو طلقكن ، لم يضق عليه الأمر ، ولم يكن مضطراً إليكن ، فإنه سيلقى ، ويبدله الله أزواجاً خيراً منكن ، ديناً وجمالاً ، وهذا من باب التعليق الذي لم يوجد ، ولا يلزم وجوده ، فإنه ما طلقهن ، ولو طلقهن ، لكان ما ذكره الله من هذه الأزواج الفاضلات ، الجامعات بين الإسلام ، وهو القيام بالشرائع الظاهرة ، والإيمان ، وهو : القيام بالشرائع الباطنة ، من العقائد وأعمال القلوب . القنوت هو دوام الطاعة واستمرارها ، { تَائِبَاتٍ } عما يكرهه الله ، فوصفهن بالقيام بما يحبه الله ، والتوبة عما يكرهه الله ، { ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } أي : بعضهن ثيب ، وبعضهن أبكار ، ليتنوع صلى الله عليه وسلم فيما يحب ، فلما سمعن - رضي الله عنهن - هذا التخويف والتأديب ، بادرن إلى رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان هذا الوصف منطبقاً عليهن ، فصرن أفضل نساء المؤمنين ، وفي هذا دليل على أن الله لا يختار لرسوله صلى الله عليه وسلم إلا أكمل الأحوال وأعلى الأمور ، فلما اختار الله لرسوله بقاء نسائه المذكورات معه دلّ على أنهنّ خير النساء وأكملهن .