Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 68, Ayat: 44-52)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : دعني والمكذبين بالقرآن العظيم ، فإن عليَّ جزاءهم ، ولا تستعجل لهم ، فـ { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } فنمدهم بالأموال والأولاد ، ونمدهم في الأرزاق والأعمال ، ليغتروا ويستمروا على ما يضرهم ، فإن وهذا من كيد الله لهم ، وكيد الله لأعدائه ، متين قوي ، يبلغ من ضررهم وعذابهم فوق كل مبلغ . { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } أي : ليس لنفورهم عنك ، وعدم تصديقهم لما جئت به ، سبب يوجب لهم ذلك ، فإنك تعلمهم ، وتدعوهم إلى الله ، لمحض مصلحتهم ، من غير أن تطلبهم من أموالهم مغرماً يثقل عليهم . { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } ما كان عندهم من الغيوب ، وقد وجدوا فيها أنهم على حق ، وأن لهم الثواب عند الله ، فهذا أمر ما كان ، وإنما كانت حالهم حال معاند ظالم . فلم يبق إلا الصبر لأذاهم ، والتحمل لما يصدر منهم ، والاستمرار على دعوتهم ، ولهذا قال : { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } أي : لما حكم به شرعاً وقدراً ، فالحكم القدري ، يصبر على المؤذي منه ، ولا يُتَلَقَّى بالسخط والجزع ، والحكم الشرعي ، يقابل بالقبول والتسليم ، والانقياد التام لأمره . وقوله : { وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ } وهو يونس بن متى ، عليه الصلاة والسلام أي : ولا تشابهه في الحال التي أوصلته ، وأوجبت له الانحباس في بطن الحوت ، وهو عدم صبره على قومه الصبر المطلوب منه ، وذهابه مغاضباً لربه ، حتى ركب في البحر ، فاقترع أهل السفينة حين ثقلت بأهلها أيهم يلقون لكي تخف بهم ، فوقعت القرعة عليه فالتقمه الحوت وهو مليم ، [ وقوله ] { إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } أي : وهو في بطنها قد كظمت عليه ، أو نادى وهو مغتمٌّ مهتم ، بأن قال : { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأنبياء : 87 ] فاستجاب الله له ، وقذفته الحوت من بطنها بالعراء وهو سقيم ، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين ، ولهذا قال هنا : { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَآءِ } أي : لطرح في العراء ، وهي الأرض الخالية { وَهُوَ مَذْمُومٌ } ولكن الله تغمده برحمته ، فنبذ وهو ممدوح ، وصارت حاله أحسن من حاله الأولى ، ولهذا قال : { فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ } أي : اختاره واصطفاه ونقاه من كل كدر ، . { فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي : الذين صلحت أعمالهم وأقوالهم ونياتهم ، [ وأحوالهم ] فامتثل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمر ربه ، فصبر لحكم ربه صبراً لا يدركه فيه أحد من العالمين . فجعل الله له العاقبة { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ الأعراف : 128 ] ولم يدرك أعداؤه فيه إلا ما يسوؤهم ، حتى إنهم حرصوا على أن يزلقوه بأبصارهم أي : يصيبوه بأعينهم ، من حسدهم وغيظهم وحنقهم ، هذا منتهى ما قدروا عليه من الأذى الفعليّ ، والله حافظه وناصره ، وأما الأذى القولي ، فيقولون فيه أقوالاً ، بحسب ما توحي إليهم قلوبهم ، فيقولون تارة " مجنون " ، وتارة " ساحر " ، وتارة " شاعر " . قال تعالى { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } أي : وما هذا القرآن الكريم ، والذكر الحكيم ، إلا ذكر للعالمين ، يتذكرون به مصالح دينهم ودنياهم .