Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 68, Ayat: 8-16)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } الذين كذبوك وعاندوا الحق ، فإنهم ليسوا أهلاً لأن يطاعوا ، لأنهم لا يأمرون إلا بما يوافق أهواءهم ، وهم لا يريدون إلا الباطل ، فالمطيع لهم مُقْدِمٌ على ما يضره ، وهذا عام في كل مكذب ، وفي كل طاعة ناشئة عن التكذيب ، وإن كان السياق في شيء خاص ، وهو أن المشركين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يسكت عن عيب آلهتهم ودينهم ، ويسكتوا عنه ، ولهذا قال : { وَدُّواْ } أي : المشركون { لَوْ تُدْهِنُ } أي : توافقهم على بعض ما هم عليه ، إما بالقول أو الفعل أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه ، { فَيُدْهِنُونَ } ولكن اصدع بأمر الله ، وأظهر دين الإسلام ، فإن تمام إظهاره بنقض ما يضاده ، وعيب ما يناقضه ، { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ } أي : كثير الحلف ، فإنه لا يكون كذلك إلا وهو كذاب ، ولا يكون كذاباً إلا وهو { مَّهِينٍ } أي : خسيس النفس ، ناقص الهمة ، ليس له همةٌ في الخير ، بل إرادته في شهوات نفسه الخسيسة . { هَمَّازٍ } أي : كثير العيب [ للناس ] والطعن فيهم ، بالغيبة والاستهزاء ، وغير ذلك . { مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } أي : يمشي بين الناس بالنميمة ، وهي : نقل كلام بعض الناس لبعض ، لقصد الإفساد بينهم ، وإلقاء العداوة والبغضاء ، { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } الذي يلزمه القيام به من النفقات الواجبة والكفارات والزكوات وغير ذلك ، { مُعْتَدٍ } على الخلق في ظلمهم ، في الدماء والأموال والأعراض { أَثِيمٍ } أي : كثير الإثم والذنوب المتعلقة في حق الله تعالى { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ } أي : غليظ شرس الخلق قاس غير منقاد للحق { زَنِيمٍ } أي : دَعِيٍّ ، ليس له أصل و [ لا ] مادة ينتج منها الخير ، بل أخلاقه أقبح الأخلاق ، ولا يرجى منه فلاح ، له زنمة أي : علامة في الشر يعرف بها . وحاصل هذا ، أن الله تعالى نهى عن طاعة كل حلاف كذاب ، خسيس النفس ، سيئ الأخلاق ، خصوصاً الأخلاق المتضمنة للإعجاب بالنفس ، والتكبر على الحق وعلى الخلق ، والاحتقار للناس ، كالغيبة والنميمة ، والطعن فيهم ، وكثرة المعاصي . وهذه الآيات - وإن كانت نزلت في بعض المشركين ، كالوليد بن المغيرة أو غيره ، لقوله عنه : { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أي : لأجل كثرة ماله وولده ، طغى واستكبر عن الحق ، ودفعه حين جاءه ، وجعله من جملة أساطير الأولين ، التي يمكن صدقها وكذبها - فإنها عامة في كل من اتصف بهذا الوصف ، لأن القرآن نزل لهداية الخلق كلهم ، ويدخل فيه أول الأمة وآخرهم ، وربما نزل بعض الآيات في سبب أو في شخص من الأشخاص ، لتتضح به القاعدة العامة ، ويعرف به أمثال الجزئيات الداخلة في القضايا العامة . ثم توعد تعالى من جرى منه ما وصف الله ، بأن الله سيسمه على خرطومه في العذاب ، وليعذبه عذاباً ظاهراً ، يكون عليه سمة وعلامة ، في أشق الأشياء عليه ، وهو وجهه .