Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 11-15)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخاطباً لبني آدم : { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ } بخلق أصلكم ومادتكم التي منها خرجتم : أبيكم آدم عليه السلام { ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } في أحسن صورة وأحسن تقويم ، وعلمه الله تعالى ما به تكمل صورته الباطنة ، أسماء كل شيء . ثم أمر الملائكة الكرام أن يسجدوا لآدم ، إكراماً واحتراماً ، وإظهاراً لفضله ، فامتثلوا أمر ربهم ، { فَسَجَدُوۤاْ } كلهم أجمعون { إِلاَّ إِبْلِيسَ } أبى أن يسجد له ، تكبراً عليه وإعجاباً بنفسه . فوبخه اللّه على ذلك وقال : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } لما خلقت بيديَّ ، أي : شرفته وفضلته بهذه الفضيلة ، التي لم تكن لغيره ، فعصيت أمري وتهاونت بي ؟ { قَالَ } إبليس معارضاً لربه : { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } ثم برهن على هذه الدعوى الباطلة بقوله : { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } وموجب هذا أن المخلوق من نار أفضل من المخلوق من طين لعلو النار على الطين وصعودها ، وهذا القياس من أفسد الأقيسة ، فإنه باطل من عدة أوجه : منها : أنه في مقابلة أمر اللّه له بالسجود ، والقياس إذا عارض النص ، فإنه قياس باطل ، لأن المقصود بالقياس ، أن يكون الحكم الذي لم يأت فيه نص ، يقارب الأمور المنصوص عليها ، ويكون تابعاً لها . فأما قياس يعارضها ، ويلزم من اعتباره إلغاءُ النصوص ، فهذا القياس من أشنع الأقيسة . ومنها : أن قوله : { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } بمجردها كافية لنقص إبليس الخبيث . فإنه برهن على نقصه بإعجابه بنفسه وتكبره ، والقول على اللّه بلا علم . وأي نقص أعظم من هذا ؟ ! ! ومنها : أنه كذب في تفضيل مادة النار على مادة الطين والتراب ، فإن مادة الطين فيها الخشوع والسكون والرزانة ، ومنها تظهر بركات الأرض من الأشجار وأنواع النبات ، على اختلاف أجناسه وأنواعه ، وأما النار ففيها الخفة والطيش والإحراق . ولهذا لما جرى من إبليس ما جرى ، انحط من مرتبته العالية إلى أسفل السافلين ، فقال اللّه له : { فَٱهْبِطْ مِنْهَا } أي : من الجنة { فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } لأنها دار الطيبين الطاهرين ، فلا تليق بأخبث خلق اللّه وأشرِّهم . { فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ } أي : المهانين الأذلين ، جزاءً على كبره وعجبه بالإهانة والذل . فلما أعلن عدو اللّه بعداوة اللّه ، وعداوة آدم وذريته ، سأل اللّهَ النَّظِرَةَ والإمهال إلى يوم البعث ، ليتمكن من إغواء ما يقدر عليه من بني آدم . ولما كانت حكمة اللّه مقتضية لابتلاء العباد واختبارهم ، ليتبين الصادق من الكاذب ، ومن يطيعه ممن يطيع عدوه ، أجابه لما سأل ، فقال : { إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } .