Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 175-178)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِيۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا } أي : علمناه كتاب اللّه ، فصار العالم الكبير والحبر النحرير . { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ } أي : انسلخ من الاتصاف الحقيقي بالعلم بآيات اللّه ، فإن العلم بذلك ، يصير صاحبه متصفاً بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ، ويرقى إلى أعلى الدرجات وأرفع المقامات ، فترك هذا كتاب اللّه وراء ظهره ، ونبذ الأخلاق التي يأمر بها الكتاب ، وخلعها كما يخلع اللباس . فلما انسلخ منها أتبعه الشيطان ، أي : تسلط عليه حين خرج من الحصن الحصين ، وصار إلى أسفل سافلين ، فأزه إلى المعاصي أزاً . { فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } بعد أن كان من الراشدين المرشدين . وهذا لأن اللّه تعالى خذله ووكله إلى نفسه ، فلهذا قال تعالى : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } بأن نوفقه للعمل بها ، فيرتفع في الدنيا والآخرة ، فيتحصن من أعدائه . { وَلَـٰكِنَّهُ } فعل ما يقتضي الخذلان ، فَأَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ ، أي : إلى الشهوات السفلية ، والمقاصد الدنيوية . { وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } وترك طاعة مولاه ، { فَمَثَلُهُ } في شدة حرصه على الدنيا وانقطاع قلبه إليها ، { كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } أي : لا يزال لاهثاً في كل حال ، وهذا لا يزال حريصاً حرصاً قاطعاً قلبه ، لا يسد فاقته شيء من الدنيا . { ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } بعد أن ساقها اللّه إليهم ، فلم ينقادوا لها ، بل كذبوا بها وردوها ، لهوانهم على اللّه ، واتباعهم لأهوائهم ، بغير هدى من اللّه . { فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } في ضرب الأمثال ، وفي العبر والآيات ، فإذا تفكروا علموا ، وإذا علموا عملوا . { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ } أي : ساء وقبح ، مثل من كذب بآيات اللّه ، وظلم نفسه بأنواع المعاصي ، فإن مثلهم مثل السوء ، وهذا الذي آتاه اللّه آياته ، يحتمل أن المراد به شخص معين ، قد كان منه ما ذكره اللّه ، فقص اللّه قصته تنبيها للعباد . ويحتمل أن المراد بذلك أنه اسم جنس ، وأنه شامل لكل من آتاه اللّه آياته فانسلخ منها . وفي هذه الآيات الترغيب في العمل بالعلم ، وأن ذلك رفعة من اللّه لصاحبه ، وعصمة من الشيطان ، والترهيب من عدم العمل به ، وأنه نزول إلى أسفل سافلين ، وتسليط للشيطان عليه ، وفيه أن اتباع الهوى ، وإخلاد العبد إلى الشهوات ، يكون سبباً للخذلان . ثم قال تعالى مبيناً أنه المنفرد بالهداية والإضلال : { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ } بأن يوفقه للخيرات ، ويعصمه من المكروهات ، ويعلمه ما لم يكن يعلم { فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي } حقاً لأنه آثر هدايته تعالى ، { وَمَن يُضْلِلْ } فيخذله ولا يوفقه للخير { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } لأنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، ألا ذلك هو الخسران المبين .