Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 42-43)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر الله تعالى عقاب العاصين الظالمين ، ذكر ثواب المطيعين فقال : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بقلوبهم { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } بجوارحهم ، فجمعوا بين الإيمان والعمل ، بين الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة ، بين فعل الواجبات وترك المحرمات ، ولما كان قوله : { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } لفظاً عاماً يشمل جميع الصالحات الواجبة والمستحبة ، وقد يكون بعضها غير مقدور للعبد ، قال تعالى : { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } أي : بمقدار ما تسعه طاقتها ، ولا يعسر على قدرتها ، فعليها في هذه الحال أن تتقي اللّه بحسب استطاعتها ، وإذا عجزت عن بعض الواجبات التي يقدر عليها غيرها سقطت عنها ، كما قال تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [ البقرة : 286 ] { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا } [ الطلاق : 7 ] { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [ الحج : 78 ] { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 19 ] فلا واجب مع العجز ، ولا محرم مع الضرورة . { أُوْلَـٰئِكَ } أي : المتصفون بالإيمان والعمل الصالح { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي : لا يحولون عنها ولا يبغون بها بدلاً ، لأنهم يرون فيها من أنواع اللذات وأصناف المشتهيات ما تقف عنده الغايات ، ولا يطلب أعلى منه . { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } وهذا من كرمه وإحسانه على أهل الجنة ، أن الغل الذي كان موجوداً في قلوبهم ، والتنافس الذي بينهم ، أن اللّه يقلعه ويزيله حتى يكونوا إخواناً متحابين ، وأخلاء متصافين . قال تعالى : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } [ الحجر : 47 ] ويخلق اللّه لهم من الكرامة ما به يحصل لكل واحد منهم الغبطة والسرور ، ويرى أنه لا فوق ما هو فيه من النعيم نعيم . فبهذا يأمنون من التحاسد والتباغض ، لأنه قد فقدت أسبابه . وقوله : { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ } أي : يفجرونها تفجيراً ، حيث شاؤوا ، وأين أرادوا ، إن شاؤوا في خلال القصور ، أو في تلك الغرف العاليات ، أو في رياض الجنات ، من تحت تلك الحدائق الزاهرات أنهار تجري في غير أخدود ، وخيرات ليس لها حد محدود { وَ } لهذا لما رأوا ما أنعم اللّه عليهم وأكرمهم به { قَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا } بأن منَّ علينا وأوحى إلى قلوبنا ، فآمنت به ، وانقادت للأعمال الموصلة إلى هذه الدار ، وحفظ اللّه علينا إيماننا وأعمالنا ، حتى أوصلنا بها إلى هذه الدار ، فنعم الرب الكريم ، الذي ابتدأنا بالنعم ، وأسدى من النعم الظاهرة والباطنة ما لا يحصيه المحصون ، ولا يعده العادون ، { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ } أي : ليس في نفوسنا قابلية للهدى ، لولا أنه تعالى منَّ بهدايته واتباع رسله . { لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ } أي : حين كانوا يتمتعون بالنعيم الذي أخبرت به الرسل ، وصار حق يقين لهم بعد أن كان علم يقين [ لهم ] ، قالوا لقد تحققنا ، ورأينا ما وعدتنا به الرسل ، وأن جميع ما جاؤوا به حق اليقين ، لا مرية فيه ولا إشكال ، { وَنُودُوۤاْ } تهنئة لهم وإكراماً ، وتحية واحتراماً ، { أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا } أي : كنتم الوارثين لها ، وصارت إقطاعاً لكم ، إذ كان إقطاع الكفار النار ، أورثتموها { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } . قال بعض السلف : أهل الجنة نجوا من النار بعفو اللّه ، وأدخلوا الجنة برحمة اللّه ، واقتسموا المنازل وورثوها بالأعمال الصالحة ، وهي من رحمته ، بل من أعلى أنواع رحمته .