Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 50-53)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : ينادي أصحاب النار أصحاب الجنة ، حين يبلغ منهم العذاب كل مبلغ ، وحين يمسهم الجوع المفرط والظمأ الموجع ، يستغيثون بهم ، فيقولون : { أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } من الطعام ، فأجابهم أهل الجنة بقولهم : { إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا } أي : ماء الجنة وطعامها { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } وذلك جزاءً لهم على كفرهم بآيات اللّه ، واتخاذهم دينهم الذي أمروا أن يستقيموا عليه ، ووعدوا بالجزاء الجزيل عليه . { لَهْواً وَلَعِباً } أي : لهت قلوبهم وأعرضت عنه ، ولعبوا واتخذوه سخرياً ، أو أنهم جعلوا بدل دينهم اللهو واللعب ، واستعاضوا بذلك عن الدين القيم . { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا } بزينتها وزخرفها وكثرة دعاتها ، فاطمأنوا إليها ورضوا بها وفرحوا ، وأعرضوا عن الآخرة ونسوها . { فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ } أي : نتركهم في العذاب { كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا } فكأنهم لم يخلقوا إلا للدنيا ، وليس أمامهم عرض ولا جزاء . { وَمَا كَانُواْ بِآيَٰتِنَا يَجْحَدُونَ } والحال أن جحودهم هذا لا عن قصور في آيات اللّه وبيناته ، بل قد { جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ } أي : بينا فيه جميع المطالب التي يحتاج إليها الخلق { عَلَىٰ عِلْمٍ } من اللّه بأحوال العباد في كل زمان ومكان ، وما يصلح لهم وما لا يصلح ، ليس تفصيله تفصيل غير عالم بالأمور ، فتجهله بعض الأحوال ، فيحكم حكماً غير مناسب ، بل تفصيل من أحاط علمه بكل شيء ، ووسعت رحمته كل شيء . { هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي : تحصل للمؤمنين بهذا الكتاب الهداية من الضلال ، وبيان الحق والباطل ، والغيّ والرشد ، ويحصل أيضاً لهم به الرحمة ، وهي : الخير والسعادة في الدنيا والآخرة ، فينتفى عنهم بذلك الضلال والشقاء . وهؤلاء الذين حق عليهم العذاب ، لم يؤمنوا بهذا الكتاب العظيم ، ولا انقادوا لأوامره ونواهيه ، فلم يبق فيهم حيلة إلا استحقاقهم أن يحل بهم ما أخبر به القرآن . ولهذا قال : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } أي : وقوع ما أخبر به ، كما قال يوسف عليه السلام حين وقعت رؤياه : { هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ } [ يوسف : 100 ] . { يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ } متندمين متأسفين على ما مضى منهم ، متشفعين في مغفرة ذنوبهم . مقرين بما أخبرت به الرسل : { قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ } إلى الدنيا { فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } وقد فات الوقت عن الرجوع إلى الدنيا . { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } [ المدثر : 48 ] . وسؤالهم الرجوع إلى الدنيا ، ليعملوا غير عملهم كذب منهم ، مقصودهم به دفع ما حل بهم ، قال تعالى : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الأنعام : 28 ] . { قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } حين فوتوها الأرباح ، وسلكوا بها سبيل الهلاك ، وليس ذلك كخسران الأموال والأثاث أو الأولاد ، إنما هذا خسران لا جبران لمصابه ، { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } في الدنيا مما تمنيهم أنفسهم به ، ويعدهم به الشيطان ، قدموا على ما لم يكن لهم في حساب ، وتبين لهم باطلهم وضلالهم ، وصدق ما جاءتهم به الرسل .