Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 85-93)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } … إلى آخر القصة أي : { وَ } أرسلنا إلى القبيلة المعروفة بمدين { أَخَاهُمْ } في النسب { شُعَيْباً } يدعوهم إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له ، ويأمرهم بإيفاء المكيال والميزان ، وأن لا يبخسوا الناس أشياءهم ، وأن لا يعثوا في الأرض مفسدين ، بالإكثار من عمل المعاصي ، ولهذا قال : { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } فإن ترك المعاصي امتثالاً لأمر اللّه وتقرباً إليه خير ، وأنفع للعبد من ارتكابها الموجب لسخط الجبار ، وعذاب النار . { وَلاَ تَقْعُدُواْ } للناس { بِكُلِّ صِرَاطٍ } أي : طريق من الطرق التي يكثر سلوكها ، تحذرون الناس منها و { تُوعِدُونَ } من سلكها { وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } من أراد الاهتداء به { وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً } أي : تبغون سبيل اللّه تكون معوجة ، وتميلونها اتباعاً لأهوائكم ، وقد كان الواجب عليكم وعلى غيركم الاحترام والتعظيم للسبيل التي نصبها اللّه لعباده ليسلكوها إلى مرضاته ودار كرامته ، ورحمهم بها أعظم رحمة ، وتَصَدَّون لنصرتها والدعوة إليها ، والذب عنها ، لا أن تكونوا أنتم قطاع طريقها ، الصادين الناس عنها ، فإن هذا كفر لنعمة اللّه ومحادة للّه ، وجعل أقوم الطرق وأعدلها مائلة ، وتشنعون على من سلكها . { وَٱذْكُرُوۤاْ } نعمة اللّه عليكم { إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ } أي : نماكم بما أنعم عليكم من الزوجات والنسل ، والصحة ، وأنه ما ابتلاكم بوباء أو أمراض من الأمراض المقللة لكم ، ولا سلط عليكم عدواً يجتاحكم ولا فرقكم في الأرض ، بل أنعم عليكم باجتماعكم ، وإدرار الأرزاق وكثرة النسل . { وَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } فإنكم لا تجدون في جموعهم إلا الشتات ، ولا في ربوعهم إلا الوحشة والانبتات ولم يورثوا ذكراً حسناً ، بل أُتبعوا في هذه الدنيا لعنة ، ويوم القيامة أشد خزياً وفضيحة . { وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ } وهم الجمهور منهم . { فَٱصْبِرُواْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } فينصر المحق ، ويوقع العقوبة على المبطل . { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ } وهم الأشراف والكبراء منهم الذين اتبعوا أهواءهم ولهوا بلذاتهم ، فلما أتاهم الحق ورأوه غير موافق لأهوائهم الرديئة ، ردوه واستكبروا عنه ، فقالوا لنبيهم شعيب ومن معه من المؤمنين المستضعفين : { لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } استعملوا قوتهم السبعية ، في مقابلة الحق ، ولم يراعوا ديناً ولا ذمة ولا حقاً ، وإنما راعوا واتبعوا أهواءهم وعقولهم السفيهة التي دلتهم على هذا القول الفاسد ، فقالوا : إما أن ترجع أنت ومن معك إلى ديننا أو لنخرجنكم من قريتنا . فـ " شعيب " عليه الصلاة والسلام كان يدعوهم طامعاً في إيمانهم ، والآن لم يسلم من شرهم ، حتى توعدوه إن لم يتابعهم - بالجلاء عن وطنه ، الذي هو ومن معه أحق به منهم . فـ { قَالَ } لهم شعيب عليه الصلاة والسلام متعجباً من قولهم : { أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } أي : أنتابعكم على دينكم وملتكم الباطلة ، ولو كنا كارهين لها لعلمنا ببطلانها ، فإنما يدعى إليها من له نوع رغبة فيها ، أما من يعلن بالنهي عنها ، والتشنيع على من اتبعها فكيف يدعى إليها ؟ ! ! { قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا } أي : اشهدوا علينا أننا إن عدنا إليها بعد ما نجانا اللّه منها وأنقذنا من شرها ، أننا كاذبون مفترون على اللّه الكذب ، فإننا نعلم أنه لا أعظم افتراء ممن جعل للّه شريكاً ، وهو الواحد الأحد الفرد الصمد ، الذي لم يتخذ ولداً ولا صاحبة ، ولا شريكاً في الملك . { وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ } أي : يمتنع على مثلنا أن نعود فيها ، فإن هذا من المحال ، فآيسهم عليه الصلاة والسلام من كونه يوافقهم من وجوه متعددة ، من جهة أنهم كارهون لها مبغضون لما هم عليه من الشرك . ومن جهة أنه جعل ما هم عليه كذباً ، وأشهدهم أنه إن اتبعهم ومن معه فإنهم كاذبون . ومنها : اعترافهم بمنة اللّه عليهم إذ أنقذهم اللّه منها . ومنها : أن عودهم فيها - بعد ما هداهم اللّه - من المحالات ، بالنظر إلى حالتهم الراهنة ، وما في قلوبهم من تعظيم اللّه تعالى والاعتراف له بالعبودية ، وأنه الإله وحده الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له ، وأن آلهة المشركين أبطل الباطل ، وأمحل المحال . وحيث إن اللّه منَّ عليهم بعقول يعرفون بها الحق والباطل ، والهدى والضلال . وأما من حيث النظر إلى مشيئة اللّه وإرادته النافذة في خلقه ، التي لا خروج لأحد عنها ، ولو تواترت الأسباب وتوافقت القوى ، فإنهم لا يحكمون على أنفسهم أنهم سيفعلون شيئاً أو يتركونه ، ولهذا استثنى { وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا } أي : فلا يمكننا ولا غيرنا ، الخروج عن مشيئته التابعة لعلمه وحكمته ، وقد { وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } فيعلم ما يصلح للعباد وما يدبرهم عليه . { عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا } أي : اعتمدنا أنه سيثبتنا على الصراط المستقيم ، وأن يعصمنا من جميع طرق الجحيم ، فإن من توكل على اللّه ، كفاه ، ويسر له أمر دينه ودنياه . { رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ } أي : انصر المظلوم وصاحب الحق ، على الظالم المعاند للحق { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } وفتحه تعالى لعباده نوعان : فتح العلم ، بتبيين الحق من الباطل ، والهدى من الضلال ، ومن هو من المستقيمين على الصراط ، ممن هو منحرف عنه . والنوع الثاني : فتحه بالجزاء وإيقاع العقوبة على الظالمين ، والنجاة والإكرام للصالحين ، فسألوا اللّه أن يفتح بينهم وبين قومهم بالحق والعدل ، وأن يريهم من آياته وعبره ، ما يكون فاصلاً بين الفريقين . { وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ } محذرين عن اتباع شعيب ، { لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } هذا ما سولت لهم أنفسهم أن الخسارة والشقاء في اتباع الرشد والهدى ، ولم يدروا أن الخسارة كل الخسارة في لزوم ما هم عليه من الضلال والإضلال ، وقد علموا ذلك حين وقع بهم النكال . { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } أي : الزلزلة الشديدة { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } أي : صرعى ميتين هامدين . قال تعالى ناعياً حالهم { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا } أي : كأنهم ما أقاموا في ديارهم ، وكأنهم ما تمتعوا في عرصاتها ، ولا تفيئوا في ظلالها ، ولا غنوا في مسارح أنهارها ، ولا أكلوا من ثمار أشجارها ، حين فاجأهم العذاب ، فنقلهم من مورد اللهو واللعب واللذات ، إلى مستقر الحزن والشقاء والعقاب والدركات ولهذا قال : { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ } أي : الخسار محصور فيهم ، لأنهم خسروا دينهم وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، ألا ذلك هو الخسران المبين ، لا من قالوا لهم : { قَوْمِهِ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } . فحين هلكوا تولى عنهم نبيهم شعيب عليه الصلاة والسلام { وَقَالَ } معاتباً وموبخاً ومخاطباً بعد موتهم : { يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي } أي : أوصلتها إليكم ، وبينتها حتى بلغت منكم أقصى ما يمكن أن تصل إليه ، وخالطت أفئدتكم { وَنَصَحْتُ لَكُمْ } فلم تقبلوا نصحي ، ولا انقدتم لإرشادي ، بل فسقتم وطغيتم . { فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ } أي : فكيف أحزن على قوم لا خير فيهم ، أتاهم الخير فردوه ولم يقبلوه ولا يليق بهم إلا الشر ، فهؤلاء غير حقيقين أن يحزن عليهم ، بل يفرح بإهلاكهم ومحقهم ، فعياذاً بك اللهم من الخزي والفضيحة ، وأي : شقاء وعقوبة أبلغ من أن يصلوا إلى حالة يتبرأ منهم أنصح الخلق لهم ؟ ! ! .