Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 71, Ayat: 1-28)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ } إلى آخر السورة لم يذكر الله في هذه السورة سوى قصة نوح وحدها لطول لبثه في قومه ، وتكرار دعوته إلى التوحيد ، ونهيه عن الشرك ، فأخبر تعالى أنه أرسله إلى قومه ، رحمةً بهم وإنذاراً لهم من عذاب الله الأليم ، خوفاً من استمرارهم على كفرهم ، فيهلكهم الله هلاكاً أبدياً ، ويعذبهم عذاباً سرمدياً ، فامتثل نوح عليه السلام لذلك ، وابتدر لأمر الله ، فقال : { يٰقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي : واضح النذارة بيّنها ، وذلك لتوضيحه ما أنذر به وما أنذر عنه ، وبأي : شيء تحصل النجاة ، بيّن جميع ذلك بياناً شافياً ، فأخبرهم وأمرهم بزبدة ما يأمرهم به ، فقال : { أَنِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ } وذلك بإفراده تعالى بالتوحيد والعبادة ، والبعد عن الشرك وطرقه ووسائله ، فإنهم إذا اتقوا الله غفر ذنوبهم ، وإذا غفر ذنوبهم ، حصل لهم النجاة من العذاب ، والفوز بالثواب ، { وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } أي : يمتعكم في هذه الدار ، ويدفع عنكم الهلاك إلى أجل مسمى أي : مقدرٍ [ البقاء في الدنيا ] بقضاء الله وقدره [ إلى وقت محدود ] ، وليس المتاع أبداً ، فإن الموت لا بدّ منه ، ولهذا قال : { إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } لما كفرتم بالله ، وعاندتم الحق ، فلم يجيبوا لدعوته ، ولا انقادوا لأمره ، فقال شاكياً لربه : { رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } أي : نفوراً عن الحق وإعراضاً ، فلم يبق لذلك فائدة ، لأن فائدة الدعوة أن يحصل جميع المقصود أو بعضه ، { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ } أي : لأجل أن يستجيبوا ، فإذا استجابوا ، غفرت لهم ، فكان هذا محض مصلحتهم ، ولكنهم أبوا إلا تمادياً على باطلهم ، ونفوراً عن الحق ، { جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ } حذر سماع ما يقول لهم نبيهم نوح عليه السلام ، { وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ } أي : تغطوا بها غطاء يغشاهم ، بعداً عن الحق وبغضاً له ، { وَأَصَرُّواْ } على كفرهم وشرهم ، { وَٱسْتَكْبَرُواْ } على الحق { ٱسْتِكْبَاراً } فشرُّهم ازداد ، وخيرهم بَعُدَ . { ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً } أي : بمسمع منهم كلهم { ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً } كل هذا حرص ونصح ، وإتيانهم بكل باب يظن أن يحصل منه المقصود ، { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } أي : اتركوا ما أنتم عليه من الذنوب ، واستغفروا الله منها . { إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } كثير المغفرة لمن تاب واستغفر ، فرغبهم بمغفرة الذنوب ، وما يترتب عليها من حصول الثواب ، واندفاع العقاب . ورغَّبهم أيضاً بخير الدنيا العاجل ، فقال : { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } أي : مطراً متتابعاً ، يروي الشعاب والوهاد ، ويحيي البلاد والعباد . { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ } أي : يكثر أموالكم التي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا وأولادكم ، { وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } وهذا من أبلغ ما يكون من لذات الدنيا ومطالبها . { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } أي : لا تخافون لله عظمة ، وليس لله عندكم قدر . { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } أي : خلقاً [ من ] بعد خلق ، في بطن الأم ، ثم في الرضاع ، ثم في سن الطفولية ، ثم التمييز ، ثم الشباب ، إلى آخر ما وصل إليه الخلق ، فالذي انفرد بالخلق والتدبير البديع ، متعين أن يفرد بالعبادة والتوحيد ، وفي ذكر ابتداء خلقهم تنبيه لهم على الإقرار بالمعاد ، وأن الذي أنشأهم من العدم قادر على أن يعيدهم بعد موتهم . واستدل أيضاً عليهم بخلق السماوات التي هي أكبر من خلق الناس ، فقال : { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً } أي : كل سماء فوق الأخرى ، { وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً } لأهل الأرض { وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } . ففيه تنبيه على عظم خلق هذه الأشياء ، وكثرة المنافع في الشمس والقمر الدالة على رحمته وسعة إحسانه ، فالعظيم الرحيم ، يستحق أن يعظم ويحب ويعبد ويخاف ويرجى ، { وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } حين خلق أباكم آدم وأنتم في صلبه . { ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا } عند الموت { وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً } للبعث والنشور ، فهو الذي يملك الحياة والموت والنشور ، { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً } أي : مبسوطة مهيأة للانتفاع بها ، { لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً } فلولا أنه بسطها ، لما أمكن ذلك ، بل ولا أمكنهم حرثها وغرسها وزرعها ، والبناء ، والسكون على ظهرها . { قَالَ نُوحٌ } شاكياً لربه : إن هذا الكلام والوعظ والتذكير ما نجع فيهم ولا أفاد . { إِنَّهُمْ عَصَوْنِي } فيما أمرتهم به { وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } أي : عصوا الرسول الناصح الدال على الخير ، واتبعوا الملأ والأشراف الذين لم تزدهم أموالهم ولا أولادهم إلا خساراً أي : هلاكاً وتفويتاً للأرباح ، فكيف بمن انقاد لهم وأطاعهم ؟ ! { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } أي : مكراً كبيراً بليغاً في معاندة الحق . { وَقَالُواْ } لهم داعين إلى الشرك مزينين له : { لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ } فدعوهم إلى التعصب على ما هم عليه من الشرك ، وأن لا يدعوا ما عليه آباؤهم الأقدمون ، ثم عينوا آلهتهم فقالوا : { وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } وهذه أسماء رجال صالحين ، لما ماتوا ، زين الشيطان لقومهم أن يصوروا صورهم ، لينشطوا - بزعمهم - على الطاعة إذا رأوها ، ثم طال الأمد ، وجاء غير أولئك فقال لهم الشيطان : إن أسلافكم يعبدونهم ، ويتوسلون بهم ، وبهم يسقون المطر ، فعبدوهم ، ولهذا أوصى رؤساؤهم للتابعين لهم ، أن لا يدعوا عبادة هذه الآلهة . { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً } أي : وقد أضل الكبار والرؤساء بدعوتهم كثيراً من الخلق ، { وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً } أي : لو كان ضلالهم عند دعوتي إياهم بحق ، لكان مصلحة ، ولكن لا يزيدون بدعوة الرؤساء إلا ضلالاً أي : فلم يبق محل لنجاحهم ولا لصلاحهم ، ولهذا ذكر الله عذابهم وعقوبتهم الدنيوية والأخروية ، فقال : { مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ } في اليم الذي أحاط بهم { فَأُدْخِلُواْ نَاراً } فذهبت أجسادهم في الغرق ، وأرواحهم للنار والحرق ، وهذا كله بسبب خطيئاتهم ، التي أتاهم نبيهم نوح ينذرهم عنها ، ويخبرهم بشؤمها ومغبتها ، فرفضوا ما قال ، حتى حل بهم النكال ، { فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً } ينصرونهم حين نزل بهم الأمْرُ الأمَرُّ ، ولا أحد يقدر يعارض القضاء والقدر . { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } يدور على وجه الأرض ، وذكر السبب في ذلك ، فقال : { إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } أي : بقاؤهم مفسدة محضة ، لهم ولغيرهم ، وإنما قال نوح - عليه السلام - ذلك ، لأنه مع كثرة مخالطته إياهم ، ومزاولته لأخلاقهم ، علم بذلك نتيجة أعمالهم ، لا جرم أن الله استجاب دعوته ، فأغرقهم أجمعين ، ونجى نوحاً ومن معه من المؤمنين . { رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً } خص المذكورين لتأكد حقهم وتقديم برهم ، ثم عمم الدعاء ، فقال : { وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً } أي : خساراً ودماراً وهلاكاً .