Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 73, Ayat: 1-11)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المزمل : المتغطي بثيابه كالمدثر ، وهذا الوصف حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أكرمه الله برسالته ، وابتدأه بإنزال [ وحيه بإرسال ] جبريل إليه ، فرأى أمراً لم ير مثله ، ولا يقدر على الثبات له إلا المرسلون ، فاعتراه في ابتداء ذلك انزعاج حين رأى جبريل عليه السلام ، فأتى إلى أهله ، فقال : " زملوني زملوني " وهو ترعد فرائصه ، ثم جاءه جبريل ، فقال : " اقرأ " فقال : " ما أنا بقارئ " ، فغطه حتى بلغ منه الجهد ، وهو يعالجه على القراءة ، فقرأ صلى الله عليه وسلم ، ثم ألقى الله عليه الثبات ، وتابع عليه الوحي ، حتى بلغ مبلغاً ما بلغه أحد من المرسلين . فسبحان الله ، ما أعظم التفاوت بين ابتداء نبوته ونهايتها ، ولهذا خاطبه الله بهذا الوصف الذي وجد منه في أول أمره . فأمره هنا بالعبادات المتعلقة به ، ثم أمره بالصبر على أذية أعدائه ، ثم أمره بالصدع بأمره ، وإعلان دعوتهم إلى الله ، فأمره هنا بأشرف العبادات ، وهي الصلاة ، وبآكد الأوقات وأفضلها ، وهو قيام الليل . ومن رحمته تعالى ، أنه لم يأمره بقيام الليل كله ، بل قال : { قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً } ، ثم قدر ذلك فقال : { نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ } أي : من النصف { قَلِيلاً } بأن يكون الثلث ونحوه ، { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } أي : على النصف ، فيكون الثلثين ونحوها . { وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبر والتفكر ، وتحريك القلوب به ، والتعبد بآياته ، والتهيؤ والاستعداد التام له ، فإنه قال : { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } أي : نوحي إليك هذا القرآن الثقيل أي : العظيمة معانيه ، الجليلة أوصافه ، وما كان بهذا الوصف ، حقيق أن يتهيأ له ، ويرتل ، ويتفكر فيما يشتمل عليه . ثم ذكر الحكمة في أمره بقيام الليل ، فقال : { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ } أي : الصلاة فيه بعد النوم { هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } أي : أقرب إلى تحصيل مقصود القرآن ، يتواطأ على القرآن القلب واللسان ، وتقل الشواغل ، ويفهم ما يقول ، ويستقيم له أمره ، وهذا بخلاف النهار ، فإنه لا يحصل به هذا المقصود ، ولهذا قال : { إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } أي : تردداً على حوائجك ومعاشك ، يوجب اشتغال القلب وعدم تفرغه التفرغ التام ، { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ } شامل لأنواع الذكر كلها { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } أي : انقطع إلى الله تعالى ، فإن الانقطاع إلى الله والإنابة إليه ، هو الانفصال بالقلب عن الخلائق ، والاتصاف بمحبة الله ، وكل ما يقرب إليه ، ويدني من رضاه . { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } وهذا اسم جنس يشمل المشارق والمغارب [ كلها ] ، فهو تعالى رب المشارق والمغارب ، وما يكون فيها من الأنوار ، وما هي مصلحة له من العالم العلوي والسفلي ، فهو رب كل شيء وخالقه ومدبره . { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي : لا معبود إلا وجهه الأعلى ، الذي يستحق أن يخص بالمحبة والتعظيم ، والإجلال والتكريم ، ولهذا قال : { فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } أي : حافظاً ومدبراً لأمورك كلها . فلما أمره الله بالصلاة خصوصاً ، وبالذكر عموماً ، وذلك يحصل للعبد ملكة قوية في تحمل الأثقال ، وفعل الثقيل من الأعمال ، أمره بالصبر على ما يقول فيه المعاندون له ويسبونه ويسبون ما جاء به ، وأن يمضي على أمر الله ، لا يصده عنه صاد ، ولا يرده راد ، وأن يهجرهم هجراً جميلاً ، وهو الهجر حيث اقتضت المصلحة الهجر الذي لا أذية فيه ، فيقابلهم بالهجر والإعراض عنهم وعن أقوالهم التي تؤذيه ، وأمره بجدالهم بالتي هي أحسن . { وَذَرْنِي وَٱلْمُكَذِّبِينَ } أي : اتركني وإياهم ، فسأنتقم منهم ، وإن أمهلتهم فلا أهملهم ، وقوله : { أُوْلِي ٱلنَّعْمَةِ } أي : أصحاب النعمة والغنى ، الذين طغوا حين وسع الله عليهم من رزقه ، وأمدهم من فضله كما قال تعالى : { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [ العلق : 6 - 7 ] . ثم توعدهم بما عنده من العقاب ، فقال : { إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً … } .