Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 1-4)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الأنفال هي الغنائم التي ينفلها اللّه لهذه الأمة من أموال الكفار ، وكانت هذه الآيات في هذه السورة قد نزلت في قصة " بدر " أول غنيمة كبيرة غنمها المسلمون من المشركين ، فحصل بين بعض المسلمين فيها نزاع ، فسألوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عنها ، فأنزل اللّه { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } كيف تقسم وعلى من تقسم ؟ . { قُلِ } لهم : الأنفال لله ورسوله يضعانها حيث شاءا ، فلا اعتراض لكم على حكم اللّه ورسوله ، بل عليكم إذا حكم اللّه ورسوله أن ترضوا بحكمهما ، وتسلموا الأمر لهما ، وذلك داخل في قوله : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } بامتثال أوامره واجتناب نواهيه . { وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } أي : أصلحوا ما بينكم من التشاحن والتقاطع والتدابر ، بالتوادد والتحاب والتواصل . فبذلك تجتمع كلمتكم ، ويزول ما يحصل - بسبب التقاطع - من التخاصم ، والتشاجر والتنازع . ويدخل في إصلاح ذات البين تحسين الخلق لهم ، والعفو عن المسيئين منهم فإنه بذلك يزول كثير مما يكون في القلوب من البغضاء والتدابر ، والأمر الجامع لذلك كله قوله : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } فإن الإيمان يدعو إلى طاعة اللّه ورسوله ، كما أن من لم يطع اللّه ورسوله فليس بمؤمن . ومن نقصت طاعته للّه ورسوله ، فذلك لنقص إيمانه ، ولما كان الإيمان قسمين : إيماناً كاملاً يترتب عليه المدح والثناء ، والفوز التام ، وإيماناً دون ذلك ذكر الإيمان الكامل فقال : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } الألف واللام للاستغراق لشرائع الإيمان . { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } أي : خافت ورهبت ، فأوجبت لهم خشية اللّه تعالى الانكفاف عن المحارم ، فإن خوف اللّه تعالى أكبر علاماته أن يحجز صاحبه عن الذنوب . { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً } ووجه ذلك أنهم يلقون له السمع ويحضرون قلوبهم لتدبره فعند ذلك يزيد إيمانهم ، لأن التدبر من أعمال القلوب ، ولأنه لا بد أن يبين لهم معنى كانوا يجهلونه ، أو يتذكرون ما كانوا نسوه ، أو يحدث في قلوبهم رغبة في الخير ، واشتياقاً إلى كرامة ربهم ، أو وجلاً من العقوبات ، وازدجاراً عن المعاصي ، وكل هذا مما يزداد به الإيمان . { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ } وحده لا شريك له { يَتَوَكَّلُونَ } أي : يعتمدون في قلوبهم على ربهم في جلب مصالحهم ودفع مضارهم الدينية والدنيوية ، ويثقون بأن اللّه تعالى سيفعل ذلك . والتوكل هو الحامل للأعمال كلها ، فلا توجد ولا تكمل إلا به . { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } من فرائض ونوافل ، بأعمالها الظاهرة والباطنة ، كحضور القلب فيها ، الذي هو روح الصلاة ولبها ، { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } النفقات الواجبة ، كالزكوات ، والكفارات ، والنفقة على الزوجات والأقارب ، وما ملكت أيمانهم ، والمستحبة كالصدقة في جميع طرق الخير . { أُوْلۤـٰئِكَ } الذين اتصفوا بتلك الصفات { هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } لأنهم جمعوا بين الإسلام والإيمان ، بين الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة ، بين العلم والعمل ، بين أداء حقوق اللّه وحقوق عباده . وقدم تعالى أعمال القلوب ، لأنها أصل لأعمال الجوارح وأفضل منها ، وفيها دليل على أن الإيمان ، يزيد وينقص ، فيزيد بفعل الطاعة وينقص بضدها . وأنه ينبغي للعبد أن يتعاهد إيمانه وينميه ، وأن أولى ما يحصل به ذلك تدبر كتاب اللّه تعالى والتأمل لمعانيه . ثم ذكر ثواب المؤمنين حقاً فقال : { لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ } أي : عالية بحسب علو أعمالهم { وَمَغْفِرَةٌ } لذنوبهم { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } وهو ما أعد اللّه لهم في دار كرامته ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . ودلّ هذا على أن من يصل إلى درجتهم في الإيمان - وإن دخل الجنة - فلن ينال ما نالوا من كرامة اللّه التامة .