Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 61-64)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : { وَإِن جَنَحُواْ } أي : الكفار المحاربون ، أي : مالوا { لِلسَّلْمِ } أي : الصلح وترك القتال . { فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } أي : أجبهم إلى ما طلبوا متوكلاً على ربك ، فإن في ذلك فوائد كثيرة . منها : أن طلب العافية مطلوب كل وقت ، فإذا كانوا هم المبتدئين في ذلك ، كان أولى لإجابتهم . ومنها : أن في ذلك إجماماً لقواكم ، واستعداداً منكم لقتالهم في وقت آخر ، إن احتيج لذلك . ومنها : أنكم إذا أصلحتم وأمن بعضكم بعضاً ، وتمكن كل من معرفة ما عليه الآخر ، فإن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، فكل من له عقل وبصيرة إذا كان معه إنصاف فلا بد أن يؤثره على غيره من الأديان ، لحسنه في أوامره ونواهيه ، وحسنه في معاملته للخلق والعدل فيهم ، وأنه لا جور فيه ولا ظلم بوجه ، فحينئذ يكثر الراغبون فيه والمتبعون له ، فصار هذا السلم عوناً للمسلمين على الكافرين ، ولا يخاف من السلم إلا خصلة واحدة ، وهي أن يكون الكفار قصدهم بذلك خدع المسلمين ، وانتهاز الفرصة فيهم ، فأخبرهم اللّه أنه حسبهم وكافيهم خداعهم ، وأن ذلك يعود عليهم ضرره ، فقال : { وَإِن يُرِيدُوۤاْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ } أي : كافيك ما يؤذيك ، وهو القائم بمصالحك ومهماتك ، فقد سبق [ لك ] من كفايته لك ونصره ما يطمئن به قلبك . فلـ { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : أعانك بمعونة سماوية ، وهو النصر منه الذي لا يقاومه شيء ، ومعونة بالمؤمنين بأن قيضهم لنصرك . { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } فاجتمعوا وائتلفوا ، وازدادت قوتهم بسبب اجتماعهم ، ولم يكن هذا بسعي أحد ، ولا بقوة غير قوة اللّه ، فلو أنفقت ما في الأرض جميعاً من ذهب وفضة وغيرهما لتأليفهم بعد تلك النفرة والفرقة الشديدة { مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } لأنه لا يقدر على تقليب القلوب إلا اللّه تعالى . { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ومن عزته أن ألف بين قلوبهم ، وجمعها بعد الفرقة كما قال تعالى : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا } [ آل عمران : 103 ] . ثم قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ } أي : كافيك { وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : وكافي أتباعك من المؤمنين ، وهذا وعد من اللّه لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله ، بالكفاية والنصرة على الأعداء . فإذا أتوا بالسبب الذي هو الإيمان والاتباع ، فلا بد أن يكفيهم ما أهمهم من أمور الدين والدنيا ، وإنما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها .