Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 85, Ayat: 1-22)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } أي : [ ذات ] المنازل المشتملة على منازل الشمس والقمر ، والكواكب المنتظمة في سيرها ، على أكمل ترتيب ونظام دال على كمال قدرة الله تعالى ورحمته ، وسعة علمه وحكمته . { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } وهو يوم القيامة ، الذي وعد الله الخلق أن يجمعهم فيه ، ويضم فيه أولهم وآخرهم ، وقاصيهم ودانيهم ، الذي لا يمكن أن يتغير ، ولا يخلف الله الميعاد . { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } وشمل هذا كل من اتصف بهذا الوصف أي : مُبْصِر ومُبْصَر ، وحاضر ومحضور ، وراءٍ ومَرْئِي . والمقسم عليه ، ما تضمنه هذا القسم من آيات الله الباهرة ، وحكمه الظاهرة ، ورحمته الواسعة ، وقيل : إن المقسم عليه قوله : { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } وهذا دعاء عليهم بالهلاك . و " الأخدود " : الحفر التي تحفر في الأرض . وكان أصحاب الأخدود هؤلاء قوماً كافرين ، ولديهم قوم مؤمنون ، فراودوهم للدخول في دينهم ، فامتنع المؤمنون من ذلك ، فشق الكافرون أخدوداً [ في الأرض ] ، وقذفوا فيها النار ، وقعدوا حولها ، وفتنوا المؤمنين ، وعرضوهم عليها ، فمن استجاب لهم أطلقوه ، ومن استمر على الإيمان قذفوه في النار ، وهذا في غاية المحاربة لله ولحزبه المؤمنين ، ولهذا لعنهم الله وأهلكهم وتوعدهم فقال : { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } ثم فسر الأخدود بقوله : { ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } وهذا من أعظم ما يكون من التجبر وقساوة القلب ، لأنهم جمعوا بين الكفر بآيات الله ومعاندتها ، ومحاربة أهلها وتعذيبهم بهذا العذاب ، الذي تنفطر منه القلوب ، وحضورهم إياهم عند إلقائهم فيها ، والحال أنهم ما نقموا من المؤمنين إلا خصلة يمدحون عليها ، وبها سعادتهم ، وهي أنهم كانوا يؤمنون بالله العزيز الحميد أي : الذي له العزة التي قهر بها كل شيء ، وهو حميد في أقواله وأوصافه وأفعاله . { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } خلقاً وعبيداً ، يتصرف فيهم تصرف المالك بملكه ، { وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } علماً وسمعاً وبصراً ، أفلا خاف هؤلاء المتمردون على الله ، أن يبطش بهم العزيز المقتدر ، أو ما علموا أنهم جميعهم مماليك لله ، ليس لأحد على أحد سلطة ، من دون إذن المالك ؟ أو خفي عليهم أن الله محيط بأعمالهم ، مجازٍ لهم على فعالهم ؟ كلا إن الكافر في غرور ، والظالم في جهل وعمى عن سواء السبيل . ثم وعدهم وأوعدهم ، وعرض عليهم التوبة ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ } أي : العذاب الشديد المحرق . قال الحسن رحمه الله : انظروا إلى هذا الكرم والجود ، هم قتلوا أولياءه وأهل طاعته ، وهو يدعوهم إلى التوبة . ولما ذكر عقوبة الظالمين ، ذكر ثواب المؤمنين ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بقلوبهم { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } بجوارحهم { لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ } الذي حصل به الفوز برضا الله ودار كرامته . { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } أي : إن عقوبته لأهل الجرائم والذنوب العظام [ لقوية ] شديدة ، وهو بالمرصاد للظالمين ، كما قال الله تعالى : { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود : 102 ] . { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ } أي : هو المنفرد بإبداء الخلق وإعادته ، فلا مشارك له في ذلك ، { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ } الذي يغفر الذنوب جميعها لمن تاب ، ويعفو عن السيئات لمن استغفره وأناب . { ٱلْوَدُودُ } الذي يحبه أحبابه محبة لا يشبهها شيء فكما أنه لا يشابهه شيء في صفات الجلال والجمال ، والمعاني والأفعال ، فمحبته في قلوب خواص خلقه ، التابعة لذلك ، لا يشبهها شيء من أنواع المحاب ، ولهذا كانت محبته أصل العبودية ، وهي المحبة التي تتقدم جميع المحاب وتغلبها ، وإن لم يكن غيرها تبعاً لها ، كانت عذاباً على أهلها ، وهو تعالى الودود ، الوادُّ لأحبابه ، كما قال تعالى : { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [ المائدة : 54 ] والمودة هي المحبة الصافية ، وفي هذا سر لطيف ، حيث قرن الودود بالغفور ، ليدل ذلك على أن أهل الذنوب إذا تابوا إلى الله وأنابوا ، غفر لهم ذنوبهم وأحبهم ، فلا يقال : بل تغفر ذنوبهم ، ولا يرجع إليهم الود ، كما قاله بعض الغالطين . بل الله أفرح بتوبة عبده حين يتوب ، من رجل له راحلة ، عليها طعامه وشرابه وما يصلحه ، فأضلها في أرض فلاة مهلكة ، فأيس منها ، فاضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت ، فبينما هو على تلك الحال ، إذا راحلته على رأسه ، فأخذ بخطامها ، فالله أعظم فرحاً بتوبة العبد من هذا براحلته ، وهذا أعظم فرح يقدر . فلله الحمد والثناء ، وصفو الوداد ، ما أعظم بره ، وأكثر خيره ، وأغزر إحسانه ، وأوسع امتنانه ! ! . { ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ } أي : صاحب العرش العظيم ، الذي من عظمته ، أنه وسع السماوات والأرض والكرسي ، فهي بالنسبة إلى العرش كحلقة ملقاة في فلاة ، بالنسبة لسائر الأرض ، وخص الله العرش بالذكر ، لعظمته ، ولأنه أخص المخلوقات بالقرب منه تعالى ، وهذا على قراءة الجر ، يكون " المجيد " نعتاً للعرش ، وأما على قراءة الرفع ، فإنَّ المجيد نعتٌ لله ، والمجد سعة الأوصاف وعظمتها . { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } أي : مهما أراد شيئاً فعله ، إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون ، وليس أحد فعالاً لما يريد إلا الله . فإن المخلوقات ، ولو أرادت شيئاً ، فإنه لا بدّ لإرادتها من معاون وممانع ، والله لا معاون لإرادته ، ولا ممانع له مما أراد . ثم ذكر من أفعاله الدالة على صدق ما جاءت به رسله ، فقال : { هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ } وكيف كذبوا المرسلين ، فجعلهم الله من المهلكين . { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ } أي : لا يزالون مستمرين على التكذيب والعناد ، لا تنفع فيهم الآيات ، ولا تُجدي لديهم العظات ، { وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ } أي : قد أحاط بهم علماً وقدرة ، كقوله : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [ الفجر : 14 ] ففيه الوعيد الشديد للكافرين ، من عقوبة من هم في قبضته ، وتحت تدبيره . { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ } أي : وسيع المعاني عظيمها ، كثير الخير والعلم ، { فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } من التغيير والزيادة والنقص ، ومحفوظ من الشياطين ، وهو : اللوح المحفوظ الذي قد أثبت الله فيه كل شيء . وهذا يدل على جلالة القرآن وجزالته ، ورفعة قدره عند الله تعالى ، والله أعلم .