Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 86, Ayat: 1-17)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول [ الله ] تعالى : { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } . ثم فسر الطارق بقوله : { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } أي : المضيء ، الذي يثقب نوره ، فيخرق السماوات [ فينفذ حتى يرى في الأرض ] ، والصحيح أنه اسم جنس يشمل سائر النجوم الثواقب . وقد قيل : إنه " زحل " الذي يخرق السماوات السبع وينفذ فيها فيرى منها . وسمي طارقاً ، لأنه يطرق ليلاً ، والمقسم عليه قوله : { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } يحفظ عليها أعمالها الصالحة والسيئة ، وستجازى بعملها المحفوظ عليها ، { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ } أي : فليتدبر خلقته ومبدأه ، فإنه مخلوق { مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } وهو : المني الذي { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } يحتمل أنه من بين صلب الرجل وترائب المرأة ، وهي ثدياها . ويحتمل أن المراد المني الدافق ، وهو مني الرجل ، وأن محله الذي يخرج منه ما بين صلبه وترائبه ، ولعل هذا أولى ، فإنه إنما وصف الله به الماء الدافق ، والذي يحس [ به ] ويشاهد دفقه ، هو مني الرجل ، وكذلك لفظ الترائب فإنها تستعمل في الرجل ، فإن الترائب للرجل ، بمنزلة الثديين للأنثى ، فلو أريدت الأنثى ، لقال : " من بين الصلب والثديين " ، ونحو ذلك ، والله أعلم . فالذي أوجد الإنسان من ماء دافق ، يخرج من هذا الموضع الصعب ، قادر على رجعه في الآخرة ، وإعادته للبعث ، والنشور [ والجزاء ] ، وقد قيل : إن معناه ، أن الله على رجع الماء المدفوق في الصلب لقادر ، وهذا - وإن كان المعنى صحيحاً - فليس هو المراد من الآية ، ولهذا قال بعده : { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } أي : تختبر سرائر الصدور ، ويظهر ما كان في القلوب من خير وشر على صفحات الوجوه قال تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [ آل عمران : 106 ] ففي الدنيا ، تنكتم كثير من الأمور ، ولا تظهر عياناً للناس ، وأما في القيامة ، فيظهر برُّ الأبرار ، وفجور الفجار ، وتصير الأمور علانية ، { فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ } يدفع بها عن نفسه ، { وَلاَ نَاصِرٍ } خارجي ينتصر به ، فهذا القَسَمُ على حالة العاملين وقت عملهم وعند جزائهم . ثم أقسم قسماً ثانياً على صحة القرآن ، فقال : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ * وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } أي : ترجع السماء بالمطر كل عام ، وتنصدع الأرض للنبات ، فيعيش بذلك الآدميون والبهائم ، وترجع السماء أيضاً بالأقدار والشؤون الإلهية كل وقت ، وتنصدع الأرض عن الأموات ، { إِنَّهُ } أي : القرآن { لَقَوْلٌ فَصْلٌ } أي : حق وصدق بَيّنٌ واضح . { وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ } أي : جد ليس بالهزل ، وهو القول الذي يفصل بين الطوائف والمقالات ، وتنفصل به الخصومات . { إِنَّهُمْ } أي : المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم ، وللقرآن { يَكِيدُونَ كَيْداً } ليدفعوا بكيدهم الحق ، ويؤيدوا الباطل ، { وَأَكِيدُ كَيْداً } لإظهار الحق ، ولو كره الكافرون ، ولدفع ما جاؤوا به من الباطل ، ويعلم بهذا من الغالب ، فإن الآدمي أضعف وأحقر من أن يغالب القوي العليم في كيده ، { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } أي : قليلاً ، فسيعلمون عاقبة أمرهم ، حين ينزل بهم العقاب .