Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 87, Ayat: 1-19)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يأمر تعالى بتسبيحه المتضمن لذكره وعبادته ، والخضوع لجلاله ، والاستكانة لعظمته ، وأن يكون تسبيحاً ، يليق بعظمة الله تعالى ، بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها الحسن العظيم ، وتذكر أفعاله التي منها أنه خلق المخلوقات فسواها ، أي : أتقنها وأحسن خلقها ، { وَٱلَّذِي قَدَّرَ } تقديراً ، تتبعه جميع المقدرات { فَهَدَىٰ } إلى ذلك جميع المخلوقات . وهذه الهداية العامة ، التي مضمونها أنه هدى كل مخلوق لمصلحته ، وتذكر فيها نعمه الدنيوية ، ولهذا قال فيها : { وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ } أي : أنزل من السماء ماءً فأنبت به أنواع النبات والعشب الكثير ، فرتع فيها الناس والبهائم وكل حيوان ، ثم بعد أن استكمل ما قدر له من الشباب ، ألوى نباته ، وصَوَّح عشبه ، { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ } أي : أسود أي : جعله هشيماً رميماً ، ويذكر فيها نعمه الدينية ، ولهذا امتن الله بأصلها ومنشئها ، وهو القرآن ، فقال : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } أي : سنحفظ ما أوحينا إليك من الكتاب ، ونوعيه قلبك ، فلا تنسى منه شيئاً ، وهذه بشارة كبيرة من الله لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، أن الله سيعلمه علماً لا ينساه ، { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } مما اقتضت حكمته أن ينسيكه لمصلحة بالغة ، { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ } ومن ذلك أنه يعلم ما يصلح عباده أي : فلذلك يُشرع ما أراد ، ويحكم بما يريد ، { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ } وهذه أيضاً بشارة كبيرة ، أن الله ييسر رسوله صلى الله عليه وسلم لليسرى في جميع أموره ، ويجعل شرعه ودينه يسراً . { فَذَكِّرْ } بشرع الله وآياته { إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ } أي : ما دامت الذكرى مقبولة ، والموعظة مسموعة ، سواء حصل من الذكرى جميع المقصود أو بعضه . ومفهوم الآية أنه إن لم تنفع الذكرى ، بأن كان التذكير يزيد في الشر ، أو ينقص من الخير ، لم تكن الذكرى مأموراً بها ، بل منهياً عنها ، فالذكرى ينقسم الناس فيها قسمين : منتفعون وغير منتفعين . فأما المنتفعون ، فقد ذكرهم بقوله : { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ } الله تعالى ، فإن خشية الله تعالى ، وعلمه بأن سيجازيه على أعماله ، توجب للعبد الانكفاف عن المعاصي والسعي في الخيرات . وأما غير المنتفعين ، فذكرهم بقوله : { وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى * ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ } وهي النار الموقدة ، التي تطلع على الأفئدة ، { ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا } أي : يعذب عذاباً أليماً ، من غير راحة ولا استراحة ، حتى إنهم يتمنون الموت فلا يحصل لهم ، كما قال تعالى : { لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا } [ فاطر : 36 ] . { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } أي : قد فاز وربح من طهر نفسه ونقَّاها من الشرك والظلم ومساوئ الأخلاق ، { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } أي : اتصف بذكر الله ، وانصبغ به قلبه ، فأوجب له ذلك العمل بما يرضي الله ، خصوصاً الصلاة ، التي هي ميزان الإيمان ، فهذا معنى الآية الكريمة ، وأما من فسر قوله { تَزَكَّىٰ } بمعني أخرج زكاة الفطر ، وذكر اسم ربه فصلى ، أنه صلاة العيد ، فإنه وإن كان داخلاً في اللفظ وبعض جزئياته ، فليس هو المعنى وحده . { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } أي : تقدمونها على الآخرة ، وتختارون نعيمها المنغص المكدر الزائل على الآخرة ، [ { وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } ] وللآخرة خير من الدنيا في كل وصف مطلوب ، وأبقى لكونها دار خلد وبقاء وصفاء ، والدنيا دار فناء ، فالمؤمن العاقل لا يختار الأردأ على الأجود ، ولا يبيع لذة ساعة ، بترحة الأبد ، فحب الدنيا وإيثارها على الآخرة رأس كل خطيئة ، { إِنَّ هَـٰذَا } المذكور لكم في هذه السورة المباركة ، من الأوامر الحسنة ، والأخبار المستحسنة { لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } اللذين هما أشرف المرسلين ، سوى النبي محمد صلى الله وسلم عليه وسلم . فهذه أوامر في كل شريعة ، لكونها عائدة إلى مصالح الدارين ، وهي مصالح في كل زمان ومكان .