Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 102-103)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { وَآخَرُونَ } ممن بالمدينة ومن حولها ، بل ومن سائر البلاد الإسلامية ، { ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } أي : أقروا بها ، وندموا عليها ، وسعوا في التوبة منها ، والتطهر من أدرانها . { خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً } ولا يكون العمل صالحاً إلا إذا كان مع العبد أصل التوحيد والإيمان ، المخرج عن الكفر والشرك ، الذي هو شرط لكل عمل صالح ، فهؤلاء خلطوا الأعمال الصالحة ، بالأعمال السيئة ، من التجرؤ على بعض المحرمات ، والتقصير في بعض الواجبات ، مع الاعتراف بذلك والرجاء بأن يغفر اللّه لهم ، فهؤلاء { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } وتوبته على عبده نوعان : الأول : التوفيق للتوبة . والثاني : قبولها بعد وقوعها منهم . { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي : وصفه المغفرة والرحمة ، اللتان لا يخلو مخلوق منهما ، بل لا بقاء للعالم العلوي والسفلي إلا بهما ، فلو يؤاخذ اللّه الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة . { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } [ فاطر : 41 ] . ومن مغفرته أن المسرفين على أنفسهم الذين قطعوا أعمارهم بالأعمال السيئة ، إذا تابوا إليه وأنابوا ولو قبيل موتهم بأقل القليل ، فإنه يعفو عنهم ، ويتجاوز عن سيئاتهم ، فهذه الآية دلت على أن المخلط المعترف النادم ، الذي لم يتب توبة نصوحاً ، أنه تحت الخوف والرجاء ، وهو إلى السلامة أقرب . وأما المخلط الذي لم يعترف ويندم على ما مضى منه ، بل لا يزال مصراً على الذنوب ، فإنه يخاف عليه أشد الخوف . قال تعالى لرسوله ومن قام مقامه ، آمراً له بما يطهر المؤمنين ، ويتمم إيمانهم : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } وهي الزكاة المفروضة ، { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } أي : تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة . { وَتُزَكِّيهِمْ } أي : تنميهم ، وتزيد في أخلاقهم الحسنة ، وأعمالهم الصالحة ، وتزيد في ثوابهم الدنيوي والأخروي ، وتنمي أموالهم . { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } أي : ادع لهم ، أي : للمؤمنين عموماً ، وخصوصاً عندما يدفعون إليك زكاة أموالهم . { إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ } أي : طمأنينة لقلوبهم ، واستبشار لهم ، { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } لدعائك ، سمع إجابة وقبول . { عَلِيمٌ } بأحوال العباد ونياتهم ، فيجازي كل عامل بعمله ، وعلى قدر نيته ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتثل لأمر اللّه ، ويأمرهم بالصدقة ، ويبعث عماله لجبايتها ، فإذا أتاه أحدٌ بصدقته دعا له وبرَّك . ففي هذه الآية دلالة على وجوب الزكاة في جميع الأموال ، وهذا إذا كانت للتجارة ظاهرة ، فإنها أموال تنمى ويكتسب بها ، فمن العدل أن يواسى منها الفقراء ، بأداء ما أوجب اللّه فيها من الزكاة . وما عدا أموال التجارة ، فإن كان المال ينمى ، كالحبوب ، والثمار ، والماشية المتخذة للنماء والدر والنسل ، فإنها تجب فيها الزكاة ، وإلا لم تجب فيها ، لأنها إذا كانت للقنية ، لم تكن بمنزلة الأموال التي يتخذها الإنسان في العادة مالاً يتمول ، ويطلب منه المقاصد المالية ، وإنما صرف عن المالية بالقنية ونحوها . وفيها : أن العبد لا يمكنه أن يتطهر ويتزكى حتى يخرج زكاة ماله ، وأنه لا يكفرها شيء سوى أدائها ، لأن الزكاة والتطهير متوقف على إخراجها . وفيها : استحباب الدعاء من الإمام أو نائبه لمن أدى زكاته بالبركة ، وأن ذلك ينبغي أن يكون جهراً ، بحيث يسمعه المتصدق فيسكن إليه . ويؤخذ من المعنى ، أنه ينبغي إدخال السرور على المؤمن بالكلام اللين ، والدعاء له ، ونحو ذلك مما يكون فيه طمأنينة ، وسكون لقلبه . وأنه ينبغي تنشيط من أنفق نفقة وعمل عملاً صالحاً بالدعاء له والثناء ، ونحو ذلك .