Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 90, Ayat: 1-20)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقسم تعالى { بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } الأمين ، الذي هو مكة المكرمة ، أفضل البلدان على الإطلاق ، خصوصاً وقت حلول الرسول صلى الله عليه وسلم فيها ، { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } أي : آدم وذريته . والمقسم عليه قوله : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } يحتمل أن المراد بذلك ما يكابده ويقاسيه من الشدائد في الدنيا ، وفي البرزخ ، ويوم يقوم الأشهاد ، وأنه ينبغي له أن يسعى في عمل يريحه من هذه الشدائد ، ويوجب له الفرح والسرور الدائم . وإن لم يفعل ، فإنه لا يزال يكابد العذاب الشديد أبد الآباد . ويحتمل أن المعنى : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ، وأقوم خلقة ، مقدرٍ على التصرف والأعمال الشديدة ، ومع ذلك ، [ فإنه ] لم يشكر الله على هذه النعمة [ العظيمة ] ، بل بطر بالعافية وتجبّر على خالقه ، فحسب بجهله وظلمه أن هذه الحال ستدوم له ، وأن سلطان تصرفه لا ينعزل ، ولهذا قال تعالى : { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } ويطغى ويفتخر بما أنفق من الأموال على شهوات نفسه . فـ { يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً } أي : كثيراً ، بعضه فوق بعض . وسمى الله تعالى الإنفاق في الشهوات والمعاصي إهلاكاً ، لأنه لا ينتفع المنفق بما أنفق ، ولا يعود عليه من إنفاقه إلا الندم والخسار والتعب والقلة ، لا كمن أنفق في مرضاة الله في سبيل الخير ، فإن هذا قد تاجر مع الله ، وربح أضعاف أضعاف ما أنفق . قال الله متوعداً هذا الذي يفتخر بما أنفق في الشهوات : { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } أي : أيحسب في فعله هذا ، أن الله لا يراه ويحاسبه على الصغير والكبير ؟ بل قد رآه الله ، وحفظ عليه أعماله ، ووكل به الكرام الكاتبين ، لكل ما عمله من خير وشر . ثم قرره بنعمه ، فقال : { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } للجمال والبصر والنطق ، وغير ذلك من المنافع الضرورية فيها ، فهذه نعم الدنيا ، ثم قال في نعم الدين : { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } أي : طريقي الخير والشر ، بيّنا له الهدى من الضلال ، والرشد من الغي . فهذه المنن الجزيلة ، تقتضي من العبد أن يقوم بحقوق الله ، ويشكر الله على نعمه ، وأن لا يستعين بها على معاصيه ، ولكن هذا الإنسان لم يفعل ذلك . { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } أي : لم يقتحمها ويعبر عليها ، لأنه متبع لشهواته . وهذه العقبة شديدة عليه ، ثم فسر [ هذه ] العقبة بقوله : { فَكُّ رَقَبَةٍ } أي : فكها من الرق ، بعتقها أو مساعدتها على أداء كتابتها ، ومن باب أولى فكاك الأسير المسلم عند الكفار . { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } أي : مجاعةً شديدةً ، بأن يطعم وقت الحاجة أشد الناس حاجة ، { يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } أي : جامعاً بين كونه يتيماً ، فقيراً ذا قرابة ، { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } أي : قد لزق بالتراب من الحاجة والضرورة ، { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي : آمنوا بقلوبهم بما يجب الإيمان به ، وعملوا الصالحات بجوارحهم من كل قول وفعل واجب أو مستحب ، { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } على طاعة الله وعن معصيته ، وعلى أقدار الله المؤلمة بأن يحث بعضهم بعضاً على الانقياد لذلك ، والإتيان به كاملاً منشرحاً به الصدر ، مطمئنة به النفس . { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ } للخلق ، من إعطاء محتاجهم ، وتعليم جاهلهم ، والقيام بما يحتاجون إليه من جميع الوجوه ، ومساعدتهم على المصالح الدينية والدنيوية ، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لنفسه ، أولئك الذين قاموا بهذه الأوصاف ، الذين وفقهم الله لاقتحام هذه العقبة { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } لأنهم أدوا ما أمر الله به من حقوقه وحقوق عباده ، وتركوا ما نهوا عنه ، وهذا عنوان السعادة وعلامتها . { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا } بأن نبذوا هذه الأمور وراء ظهورهم ، فلم يصدقوا بالله ، [ ولا آمنوا به ] ، ولا عملوا صالحًا ، ولا رحموا عباد الله ، { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ } أي : مغلقة ، في عمد ممددة ، قد مدت من ورائها ، لئلا تنفتح أبوابها ، حتى يكونوا في ضيق وهمّ وشدّة [ والحمد لله ] .