Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 96, Ayat: 1-19)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه السورة أول السور القرآنية نزولاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإنها نزلت عليه في مبادئ النبوة ، إذ كان لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان ، فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام بالرسالة ، وأمره أن يقرأ ، فامتنع ، وقال : " ما أنا بقارئ " فلم يزل به حتى قرأ . فأنزل الله عليه : { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } عموم الخلق ، ثم خص الإنسان ، وذكر ابتداء خلقه { مِنْ عَلَقٍ } فالذي خلق الإنسان واعتنى بتدبيره ، لا بد أن يدبره بالأمر والنهي ، وذلك بإرسال الرسول إليهم ، وإنزال الكتب عليهم ، ولهذا ذكر بعد الأمر بالقراءة ، خلقه للإنسان . ثم قال : { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } أي : كثير الصفات واسعها ، كثير الكرم والإحسان ، واسع الجود ، الذي من كرمه أن علم بالعلم . و { عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ * عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } فإنه تعالى أخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئاً ، وجعل له السمع والبصر والفؤاد ، ويسر له أسباب العلم . فعلمه القرآن ، وعلمه الحكمة ، وعلمه بالقلم ، الذي به تحفظ العلوم ، وتضبط الحقوق ، وتكون رسلاً للناس تنوب مناب خطابهم ، فلله الحمد والمنة ، الذي أنعم على عباده بهذه النعم التي لا يقدرون لها على جزاءٍ ولا شكور ، ثم منّ عليهم بالغنى وسعة الرزق ، ولكن الإنسان - لجهله وظلمه - إذا رأى نفسه غنياً ، طغى وبغى ، وتجبر عن الهدى ، ونسي أن إلى ربه الرجعى ، ولم يخف الجزاء ، بل ربما وصلت به الحال أنه يترك الهدى بنفسه ، ويدعو [ غيره ] إلى تركه ، فينهى عن الصلاة التي هي أفضل أعمال الإيمان . يقول الله لهذا المتمرد العاتي : { أَرَأَيْتَ } أيها الناهي للعبد إذا صلى { إِن كَانَ } العبد المصلي { عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ } العلم بالحق والعمل به ، { أَوْ أَمَرَ } غيره { بِٱلتَّقْوَىٰ } . فهل يحسن أن ينهى من هذا وصفه ؟ أليس نهيه من أعظم المحادَّة لله والمحاربة للحق ؟ فإن النهي لا يتوجه إلا لمن هو في نفسه على غير الهدى ، أو كان يأمر غيره بخلاف التقوى . { أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ } الناهي بالحق ، { وَتَوَلَّىٰ } عن الأمر ، أما يخاف الله ويخشى عقابه ؟ { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } ما يعمل ويفعل ؟ . ثم توعده إن استمر على حاله ، فقال : { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ } عما يقول ويفعل { لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } أي : لنأخذن بناصيته ، أخذاً عنيفاً ، وهي حقيقة بذلك ، فإنها { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } أي : كاذبة في قولها ، خاطئة في فعلها . { فَلْيَدْعُ } هذا الذي حق عليه العقاب { نَادِيَهُ } أي : أهل مجلسه وأصحابه ومن حوله ، ليعينوه على ما نزل به ، { سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } أي : خزنة جهنم ، لأخذه وعقوبته ، فلينظر أي : الفريقين أقوى وأقدر ؟ فهذه حالة الناهي وما توعد به من العقوبة ، وأما حالة المنهي ، فأمره الله أن لا يصغى إلى هذا الناهي ولا ينقاد لنهيه فقال : { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ } [ أي : ] فإنه لا يأمر إلا بما فيه خسارة الدارين ، { وَٱسْجُدْ } لربك { وَٱقْتَرِب } منه في السجود وغيره من أنواع الطاعات والقربات ، فإنها كلها تُدْني من رضاه وتقرب منه . وهذا عام لكل ناهٍ عن الخير ومنهي عنه ، وإن كانت نازلة في شأن أبي جهل حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة ، وعبث به وآذاه . تمت ولله الحمد .